وأما رأي ابن جني1 في اللغة، فهو أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. وهذا في الواقع تعريف للكلام، لا للغة. ويقول في مكان آخر2:

غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة، إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف، إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يوما: هي من عند الله، واحتج بقوله سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، وهذا لا يتناول موضع الخلاف، وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله، أقدر آدم على أن واضع عليها، وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة، فإن كان ذلك محتملا غير مستنكر سقط الاستدلال به.

ثم يشرح ابن جني3 طريقة المواضعة بقوله: "ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيا، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة، قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا، فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات، فيصفوا لكل واحد سمة ولفظا، إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز من غيره، وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين، فيكون ذلك أقرب وأخف، وأسهل من تكلف إحضاره، كبلوغ الغرض في إبانة حاله".

ثم يعود، فيذكر نظرية أخرى عن أصل اللغة4، هي أن منبع اللغة الأصوات الطبيعية، والصيحات البدائية التي كان الإنسان الأول يؤديها كتعبيرات طبيعية عن انفعالاته، "راجع ما قاله سابير ص54-55"، فيقول: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح، وحنين الرعد وخرير طاء، وشحيح الحماء، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد، وهذا عند وجه صالح متقبل".

ثم يعود ابن جني في نفس الصفحة إلى القول: بأنها من عند الله عز وجل، ويقوى في نفسه اعتقاد كونها توقيفا من الله سبحانه، وأنها وحي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015