الأشياء وإنما تضعه ملاحظاته الأولى على الطريق، حتى تعززها ملاحظات أخرى أو تعدلها، واللغوي محظوظ من هذه الناحية، فإن نشاط الجماعة لا يبدو مضبوطا في أي حالة من الحالات، كما يبدو في اللغة، فهناك مجموعات ضخمة من الناس تبني الجمل التي تتكلمها من نفس المفردات والتراكيب، ولذلك يستطيع اللغوي، ذو الملاحظة أن يصف العادات اللغوية لأي مجتمع دون الحاجة إلى إحصاء.
ولا نحتاج إلى القول: إنه إذا أراد دراسة اللغة، فإنه يجب أن يعمل جاهدا، وأن يسجل كل صيغة يجدها، وألا يعذر نفسه بالاعتماد على عقلية القارئ، أو على تراكيب لغة أخرى، أو على نظرية من نظريات علم النفس، ويجب فوق كل شيء ألا يختار بعض الحقائق، أو يشوهها طبقا لنظرته الخاصة إلى ما يجب أن يقوله المتكلم.
ولعل القارئ يرى أن بلومفيلد، قد جند نفسه لشرح نظرية الكلام، دون أن يعني بنظرية اللغة، وهو في شرحه لنظرية الكلام، يقرب إلى الدراسات الطبيعية قرب السلوكيين منها، ويوضح الحقائق الكلامية في ظل فهمهم للنفس الإنسانية؛ وهو مع ذلك يحذر الباحث من الاعتماد على نظرية من نظريات علم النفس.
ولا يعني بلومفيلد كثيرا في كتابه بالضغط على التقابل بين الفكرتين اللغوية والكلامية؛ وإما يلمح إلى النظم العرفية تلميحا حين يتكلم عن اللغات الأجنبية.
ويرى فندريس1 أن من الحق الآن أن يقال: إن الإنسان كائن اجتماعي، وإحدى الخصال التي تشهد بفصاحة على الخاصية الاجتماعية في الإنسان، تكمن لاشك في الغريزة، التي تدفع الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات أن يجعلوا لأنفسهم مصلحة مشتركة فيما يتعلق بظروفهم، وخصائصهم المتشابهة، ليتميزوا عن هؤلاء، الذين لا تتحقق فيهم هذه الخصائص إلى نفس المدى.
وكل فرد في الجماعة، يشعر بأنه يتكلم لغة تختلف عن لغة الجماعة المجاورة.
ولهذا فإن للغة وجودا حقيقيا في الإحساس المشترك بين هؤلاء الذين يتكلمونها، وهذا التحديد، وإن بدا لأول وهلة صريحا في ذاتيته، ينبني على حقيقة هي إضافة