تساعد التفكير مساعدة جوهرية جدا، ومن ناحية أخرى يجب ألا ننسى أن بعض عميقي المفكرين، شكوا من أن اللغة التقليدية، قد عوقتهم أحيانا عن الغوص على الأفكار: فهي بمفرادتها وصيغتها الثابتة، ترغم الفكر على أن يسير على السبل المطروقة، وأن يفكر كما فكر الآخرون من قبل.
ولا يستطيع يسبرسن بحال أن يتبع جيفونز في قوله: إن اللغة في أصلها الأول، قد استعملت غالبا للغرض الأول، لا على سبيل نفي الأغراض الأخرى، أو في جعله هذه الأهداف الفكرية الثلاثة، هي الأهداف الوحيدة التي تستخدم اللغة من أجلها؛ فهي تنطبق على المفكرين فحسب، وعليهم في أعمق حالاتهم الدراسية فقط.
ثم يدعو القارئ إلى أن يفكر معه فيما قالته مدام دي ستايل1، عن الهدف من اللغة حين تكلمت عن اللغة الفرنسية: "أنها ليست قط وسيلة لنقل الأفكار والعواطف، والشئون، ولكنها أداة يهدف المرء إلى أن يلعب بها فيحيي الأرواح، كالموسيقى لبعض الناس، وكالمشروبات القوية للبعض الآخر". يرى يسبرسن أن هذا يثير الإعجاب، والغلطة الوحيدة التي يجدها في هذه العبارة، أنها تبدوا كما لو كانت قد سيقت لشيء يوجد في فرنسا فقط.
وفي كل مكان وزمان، يمكن أن نجد من الناس من تسكره شهوة التكلم ويتلذذون لسماع أصوات أنفسهم، ومن الناس من يتكلم إلى الخيل والكلام والحيوانات المستأنسة، ومنهم من يتكلم إلى نفسه، ويجب ألا ننسى أن الأوتار الصوتية بجانب استعمالها في نقل الأفكار، وقبل أن يبدأ في استعمالها في هذا الغرض، هي أكثر اللعب الإنسانية حبا إلى الإنسان، وأن الأطفال والرجال كليهما في المجتمعات البدائية، والمتمدنة على السواء يجدون سرورا عظيما في ترك أوتارهم الصوتية، وألسنتهم وشفاههم، تؤدي أنواعا مختلفة من اللعب.
وهكذا نصل إلى الجانب الاجتماعي للكلام، ويمكن أن يقال فيه نفس الشيء، ففي الاختلاط الاجتماعي، لا تنطق الكلمات في معظم الحالات لتقرر شيئًا