قَدْ جَاءَ غَيْرُ حِكَايَةٍ فِي جُودِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَذْلِهِ لِتَلامِذَتِهِ كَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ.
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، ثَنَا نَمِرُ بْنُ حَدَّادٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: " دَعَا الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ وَكَانَ يُعَادِي أَبَا حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا يُخَالِفُ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ، يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ ثُمَّ اسْتَثْنَى بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ الاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا لا يُجَوِّزُ الاسْتِثْنَاءَ إِلا مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ! فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الرَّبِيعَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ فِي رِقَابِ جُنْدِكَ بَيْعَةٌ! قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَحْلِفُونَ لَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَسْتَثْنُونَ فَتَبْطُلُ أَيْمَانُهُمْ، فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ: يَا رَبِيعَ، لا تَعْرِضْ لأَبِي حَنِيفَةَ "
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ آخِذًا بِرِكَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ أَبْلَغَ، وَلا أَصْبَرَ، وَلا أَحْضَرَ جَوَابًا مِنْكَ، وَإِنَّكَ لَسَيِّدُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي وَقْتِكَ غَيْرَ مَا دَفْعٍ، وَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِيكَ إِلا لِحَسَدٍ»
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقًا مُفَكِّرًا، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ عِنْدِ شُرَيْكٍ، فَأَنْشَأَ، يَقُولُ: «
إِنْ يَحْسِدُونِي فَإِنِّي غَيْرَ لائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْبَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ
»