التنبيه الثالث: من خلال مطالعتي وبحثي فيما كتبه السلف - رحمهم الله - وخاصة المتقدم منها، ألفيتُ أن للسلف منهجاً علمياً وهدياً وسمتاً عملياً في طلب العلم، ولعل من أهم معالمه ما يأتي:
1- إخلاص النية في طلب العلم لوجه الله عز وجل، فلا يبتغون بذلك منصباً ولا جاهاً عند أحد كائناً من كان، ولا تكثّراً من الأموال، ورائدهم في ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من تعلَّم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عَرَضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" 1.
2- التدرج في طلب العلم وفق برنامج علمي وعملي، فكانوا يبدؤون بالتأدب والتعبد أولاً - ويحفظ الطالب أثناء ذلك كتاب الله العزيز - ثم يشرع بعد ذلك في طلب العلم على أهله المعروفين.
قال سفيان بن سعيد الثوري (ت 161هـ.) :
"ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وكان الرجل لا يطلب العلم حتى يتأدب ويتعبد قبل ذلك عشرين سنة" 2.
وقال عبد الله بن المبارك (ت 181هـ.) :
"كانوا يطلبون الأدب ثم العلم" 3.
وأول ما يبدأ به الطالب تعلم فروض الأعيان حتى يعرف العلم والعمل بها ثم يتدرج بعد ذلك في فروض الكفاية وجزئيات العلم.
وليكن ابتداؤه بعلوم الغاية، وهي العقيدة والفقه المبنيان على الأدلة من