ثالثاً: الأدب قبل الطلب

اشتهر عند السلف إرسال الصبيان عند بلوغهم سنّ التمييز إلى مؤدب، يُحفّظهم القرآن ويُعلّمهم مبادئ القراءة والكتابة ويشرف على تأديبهم وتربيتهم وتعليمهم السمت والهدي والخلق الحسن، فإذا بلغوا سنَّ التكليف أحضرهم مجالس بعض العلماء ليقتدوا بهم في السمت والهدي والعبادة والعمل، ثم بعد ذلك يخرجهم إلى حلقات العلم.

وقد أُطلق لقب "مؤدب" على جماعة ممن تفرغ لتأديب الصبيان، وعُرف بذلك.

قال أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري (ت 161هـ‍.) :

"كانوا لا يخرجون أبناءهم لطلب العلم حتى يتأدبوا ويتعبدوا عشرين سنة" 1.

وقال عبد الله بن المبارك (ت 181هـ‍.) :

"طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم" 2.

وقال أيضاً: "كاد الأدب يكون ثلثي العلم" 3.

وأخرج الخطيب في الجامع بسنده إلى مالك بن أنس قال: قال محمد بن سيرين (ت 110هـ‍.) :

"كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم" 4.

وبسنده إلى إبراهيم بن حبيب الشهيد (ت 203هـ‍.) قال: قال لي أبي: "يا بُني إيت الفقهاء والعلماء، وتعلّم منهم وخُذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015