أسدُ الدِّين في حَملَتِه أنْ يقضيَ على ضِرغَام، وأن يُعيدَ الوِزَارةَ إلى شَاوَر في شَهْرِ رَجَب عام خمسِ مائةٍ وتسعَةٍ وخَمْسينَ للْهِجْرَةِ.
ولكِنَّ الغَدرَ والخِيانَةَ بَدَت فِي مُحَيّا "شَاوَر"،فَأَسَاءَ مُعَامَلَةَ النّاسَ وتَنَكّبَ عَنْ وُعُودِهِ المَعْسُولَةِ لِنُورِ الدّين، وأرَادَ أنْ يَغْدِرَ بِأَسَدِ الدِّيْنِ شِركُوه حَيثُ طَلَبَ مِنْهُ الرّجُوعَ إِلى الشّام، دُونَ أنْ يُرسِلَ إِلَيهِ ما كانَ قدِ اسْتَقرَّ بَينَهُ وبَيْنَ نُورِ الدّين، ولما رَفَضَ أَسَدُ الدِّينِ الرُّجُوعَ إِلى الشَّامِ أَرْسَلَ نُوّابَهُ إِلى مَدِيْنَةِ "بَلْبِيس" فَتَسلَّمَهَا وتَحَصَّنَ بِهَا، فَمَا كَانَ مِن "شَاوَر" إِلا أَنْ يَغْدِرَ كَما هِيَ عَادَةُ الرَّافِضَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ بَيْتِ المَقْدِسِ الصّلِيبِي يَسْتَنْجِدَهُ على "شِرْكُوه" ويُطَمِعُهُ فِي مُلْكِ مِصْرَ إِنْ هُمْ سَاعَدُوهُ فِيْ إِخْرَاجِ "شِركُوه"،وبِالفِعْلِ سَارَعَ الصَّلِيْبِيُّونَ بِالتَّوَجُّهِ إِلى مِصْرَ ومِن ثُمَّ التَقَوا بِـ"شَاور" وعَسَاكِرَه حَتّى تَوَجَّهُوا جَمِيْعَاً إِلى "بَلْبيس" وحَاصَرُوا أَسَد الدِّيْنِ فِيهَا ولَكِن مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ وأَثْنَاء حِصَارِهِمْ لَهُم؛ وَصَلَتْهُم الأَنْبَاءُ بِهَزيْمَةِ الإِفْرَنْجِ عَلَى "حَارِم" وتَمَلُّكِ نُورِ الدِّينِ لها، وتَقَدُّمِهِ إِلى "بَانِيْسَا" لأَخْذِهَا فَأَصَابَهُم الرُّعْبُ واضْطُرُّوا إِلَى أنْ يُرَاسِلُوا أسَدَ الدّينِ المُحَاصَرِ في "بَلْبيس" يَطْلُبُونَ مِنْهُم الصُّلْحَ وتَسْلِيمِ مَا أَخَذَهُ سِلْمَاً، فَاضْطُرَّ لِمُوَافَقَتِهِم عَلَى ذَلِك، إِذْ أَنّ الأَقْوَاتَ قَلَّتْ عِنْدَهُم وعَلِمَ عَجْزَهُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الفَرِيْقَينِ فَصَالَحَهُم وخَرَجَ مِن "بَلْبيس" عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة وهو في غَايَةِ القَهْر.
هَذَا الأَمْرُ وهَذِهِ الخِيَانَةُ مِنْ قِبَلِ "شَاوَر" وتَحَالُفِهِ مِعَ الصّلَيْبِيين جَعَلَ المَلِكَ الصّالِحَ نُوْرُ الدّيْنِ مَحْمُود، يُوَجِّهُ نَظَرَهُ إِلى غَزْوِ مِصْرَ ثَانِيَةً لِلْقَضَاءِ عَلَى مَصْدَرِ الفُرْقَةِ فِيْ العَالَمِ الإِسْلامِيِّ ومَنْبَعِ الخَيَانَةِ لِلأُمّة أَلا وهِيَ الخِلافَةُ الفَاطِمِيَّةُ بِالإِضَافَةِ إِلَى رَغْبَتِهِ فِيْ نَشْرِ المَذْهَبِ السُّنّي والقَضَاءِ عَلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ فَخَرَجَت حَمْلةٌ مِنْ "دِمْشْقَ" فِي مُنْتَصفِ شَهْرِ رَبيعٍ الأَوّل مِن عَامِ خمسُمَائة واثْنَين وسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ بِقِيادَةِ أَسَدِ الدِّيْنِ وابْنِ أَخِيْهِ صَلاحِ الدِّينِ وكَانُوا عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ النَّصْرِ، ومِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا النَّصْرِ وإِرْهَاصَاتِهِ أَنْ قَذَفَ اللهُ الرُّعْبَ فِيْ قُلُوبِ أَعْدَاءِه مِنَ الصَّليبيينَ والرّافِضِةِ المُرْتَدّين، وبرِغمِ تَحَالُفِ "شَاوَر" وقُوّاتِهِ مَعِ قُوَّاتِ الصّلِيبيين واسْتِنْجَادَهُ بِهِمْ إِلا أَنَّهم قَدمُوا والرَّجَاءُ يَقُوْدُهُمْ والخَوْفُ يَسُوْقُهُم.