بالجواب، ولو كان للإنكار حقيقة، لكان ينبغي ألا يجيء فيما لا يقول عاقل أن يكون حتى ينكر عليه، كقولهم: أتصعد إلى السماء؟ -أتستطيع أن تنقل الجبال؟ أألى رد ما مضى سبيل؟

ولهذا: فإنه لا يقرر بالمحال، وبما لا يقول إنسان أنه يكون إلا على سبيل التمثيل، وعلى أن يقال له: أنك في دعواك ما ادعيت -بمنزله من يطمع في الممتنع".

ومن هذا الضرب: قول الله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} فليس أسماع الصم مما يدعيه أحد، فيكون ذلك للإنكار وإنما المعنى فيه على التمثيل والتشبيه، وأن ينزل الذي يظن بهم أنهم يسمعون أو أنه يستطيع أسماعهم، منزلة من يرى أن يسمع الصم ويهدي العمي.

والسر في أن الله تعالى قال: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} ولم يقل: {أتسمع الصم} هو: أن يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم -: أأنت خصوصاً قد أوتيت مقدرة أسماع الصم أو هداية العمي (?)؟

ومن لطيف ذلك: قول ابن أبي عيينة:

فدع الوعيد، فما وعيدك ضائري د أطنين أجنحة الذباب يضير؟

فقد جعله كأنه قد ظن أن طنين أجنحة الذباب بمثابة ما يضير، حتى ظن أن وعيده يضير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015