وكان إكثار الشعراء في هذه الفترة من ألوان البديع، وتفننهم في تزيين أشعارهم بها مدعاة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أن يقول: "والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأريت على كل لسان (?) ".

على أن العرب لم تكن تفاضل بين الشعراء على أساس من (البديع) وإنما كانت تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن - كما يقول القاضي الجرجاني - بشرف المعنى وصحته - وجزالة اللفظ واستقامته.

وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب، وبده فأغرز، ولمن كثرت سوائر أمثاله، وشوارد أبياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس، والمطابقة ولا تحفل بالإبداع (الإتيان بالبديع) والاستعارة، إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض، وقد كان يقع ذلك في خلال قصائدها، ويتفق لها في البيت بعد البيت على غير تعمد وقصد، فلما أفضى الشعر إلى المحدثين، ورأوا مواقع تلك الأبيات من الغرابة والحسن، وتميزها عن أخواتها، في الرشاقة واللطف، تكلفوا الاحتذاء عليها، فسموه البديع، فمن محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومتقصد ومشرط (?).

وعبارة القاضي الجرجاني هذه، على جانب كبير من الأهمية في مجال التاريخ للبديع، فقد ربطت بين المعنى اللغوي الذي أوردناه لكلمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015