قط بشر، وهو المثلثات! وأن الذي أُحسنه من هذا كله هو الأعمال الأربعة التي يعرفها السمّان (?) والعطّار وكسّار الحطب ... أما سائر تلك النظريات والدعاوى فشيء عالٍ سامٍ لا يمكث في النفس، وليس من شأنه أن يمكث فيها، وإنما سبيله أن «يطير»! وإذا أنا قد نسيت كل شيء من الكيمياء إلا شيئاً لا طائل تحته، ونسيت قوانين الحكمة ومسائل الجغرافيا، وما إلى ذلك مما درسناه وحفظناه و «شُهِدَ» لنا بأنّا قد أحسناه وأتقنّاه!
وكل ما أعرفه اليوم هو شيءٌ من اللغة والأدب والتاريخ قرأته بنفسي وزاولته بعد خروجي من المدرسة، أما المدرسة فلم تعلمني إلاّ أسماء العلوم وأوصافها العامة، ولم أخرج منها إلاّ بالروح التي صبَّها فيّ شيوخنا ومعلمونا (?). إن المدرسة لا تعلّم التلميذ شيئاً ولكنها تدله على الطريق وترسم له الخُطّة، أفلا يجب إذن على المعلمين أن يدلّوا التلميذ على الطريق السويّ والخطة المستقيمة؟ أفلا يجب عليهم -قبل أن يعلّموه قوانين الحكمة ومعادلات الكيمياء ونظريات الهندسة التي سينساها ويجهلها- أن يعلّموه من هم أجداده وما هي حضارتهم، وأن يصبّوا في نفسه أخلاق العروبة وآداب الإسلام، وأن يحبّبوا إليه العلم حتى يُقبل عليه بلذة وشغف؛ لا لنيل الشهادة والنجاة من الامتحان، بل ليستفيد منه في ترقية حياته وحياة أمته وخدمة بلاده وقومه ... وأن يُفهموه «حقائق الحياة» ويعرضوها عليه عارية لا يسترها شيء؟
* * *