القلم وعلمت أن قد أُرْتِجَ عليّ. والنفس كالسماء؛ تُفتَّح أبوابُها ويهمي غيثها حتى يحيي الله به البلد المَيْت، ويروي به الأرض العطشى فتهتزّ وتربو وتُنبت من كل زوج بهيج، وقد يغلقها الله فتشحّ وتضِنّ بالقطرة الواحدة من الماء!
وعمدت إلى شيء ألهو به، فسألت أخي ناجي عن درسه الذي يقرؤه وقلت: لعلي أجد فيه موضوعاً أكتب فيه، فطَفِق يلقي عليّ كلاماً ثقيلاً على السمع بغيضاً إلى النفس، ضاق منه صدري وخثرت نفسي، ولم أفهم منه شيئاً، ولكني ذكرت أنني سمعته من قبل، واتضحت الذكرى فعلمت أن قد كان ذلك في صف «البكالوريا الثانية»، وأنني استودعته قلبي حتى اجتزت الامتحان وأُعطيت الشهادة، ثم نسيته كما نسيت تلك الأشياء الأخرى التي كنا نَهْذي بها في دروس الكيمياء والحكمة (?) والمثلثات والجغرافيا ... فتركت أخي يُطَنْطِن بهذا الهَذَر الذي يُعلَّمهُ في المدرسة وأقبلت أفكر فيّ: ما الذي أبقته لي الأيام من هذا البرنامج الطويل العريض الذي أنفقنا فيه من أعمارنا سبع سنين، هي زهرة العمر وهي سنّ القوة والنشاط، سنّ الشباب الغريض والنفس السامية؟ ما الذي أفدناه من دروس التجهيز والدراسة العالية؟ نظرت فإذا أنا قد نسيت كل شيء من الرياضيات، إلاّ أنها علم الكميات، وأن هذه الكميات متصلة تبحث فيها الهندسة أو منفصلة يبحث فيها الحساب، وأن من الحساب ما تكون أرقامه حروفاً تدل على أكثر من قيمة محددة، وهو الجبر، وأن من الهندسة هندسة سطحية وهندسية فراغية وهندسة نسبية، وأن منها شيئاً لم يفهمه