وذكرت تلك الأعوام الستة عشر التي أنفقتها في تحصيلها، وكان خيراً لي أن أقضيها في حانوت حلاق أجيراً أتمتع بالجمال والمال، أو ممثلاً في جوقة أعيش عيش النعيم والتعظيم، أو عاملاً في مطبعة يدور عليّ الزمان فإذا أنا «صاحب جريدة كبرى» ... أو لو قضيتها في تلاوة الروايات والأقاصيص أنال منها لذة ومتعة (إذا لم أنَلْ فائدة ونفعاً). وتأملت فيها معظِّماً مبجِّلاً، وتجرأت فلمستها (أي الشهادة) بيدي في ابتسامة بلهاء، كما يلمس الإنسان تحفة ثمينة ليزيد إحساسه بها، أو أثراً مقدساً ليتبرك به (?).
وجلست بعد ذلك أفكر: ماذا أصنع بها بعد أن زالت من نفسي رغبة النجاح ونشوة الظفر؟ وأغلقت الأبواب، وأطفأت الأنوار، وأشعلت البخور ... وتلوت أسماء الجن واستصرخت الملك الأحمر والأخضر، ثم أحرقت الشهادة فخرج من لهيبها مارد طويل وقام أمامي في خضوع. فقلت له: ما اسمك أيها المارد؟
- ليسانس يا سيدي.
- ماذا تقدر أن تصنع؟
- كل شيء يا سيدي؛ أزحزح لك أصحاب الكراسي الجهال عن كراسيهم لتجلس يا صاحب الليسانس عليها.
- أتثق من قدرتك على ذلك؟