في سورية، والرابع مدرّساً موفقاً وداعية وأديباً (?). أما الولد الأكبر فلا أقول عنه شيئاً لأن شهادتي فيه مردودة؛ فهو صديقي الذي لا أفارقه أبداً، والذي أكون معه ليلي ونهاري وأراه كلما نظرت في المرآة، وهو فوق ذلك يحمل اسماً مثل اسمي!
وما قصصت هذه القصة إلاّ تسلية لك وتهويناً عليك، ولتوقني أنه ربما كان ينتظر ولديك هذين اللذين لا يجدان الغذاء والكساء، ينتظرهما مستقبل يحسدهما عليه أبناء الأغنياء.
فقولي لولديك ألاّ يخجلا إن لم يجدا الثوب الأنيق أو الكتاب الجديد أو المال الفائض؛ فإن أكثر النابغين كانوا من أبناء الفقراء. وكاتب هذه السطور (وإن لم يكن من النابغين الذين تُضرَب بهم الأمثال) كان يجيء إلى المدرسة الثانوية بالبذلة التي فصلتها له أمه من جبة أبيه، وقد عجز عن أداء رسم شهادة الحقوق فساعده عليه بعض المحسنين.
وأنا أعرف -والله- في أعلام البلد اليوم من نشؤوا في أشد الفقر، ثم نالوا بالعلم أوسع الغنى وأعلى المناصب، ولو كنت أعلم الرضا منهم بذكر أسمائهم لسميت لكِ خمسة أسماء كلها على طرف لساني الآن. وأنا أعرف محكمة صار ابن آذنها قاضيَها، وابن رئيسها «شيئاً» كالآذن فيها!
* * *