من حديث النفس (صفحة 280)

عن الإنكليز والفرنسيين أدبهم وشعرهم، والتي أُنفقُ ساعة كاملة في تفهّم الفقرة الواحدة منها ثم لا أفهمها!

فأول شرط إذن من شروط التجديد هو حفظ الصلة بين أدبنا وأدب العرب، ولا يكون ذلك إلاّ بانقطاع طائفة منا إلى تراثنا الأدبي الثمين الذي يسميه بعض الجاهلين -سخرية وهزءاً- بتراث «الكتب الصفراء». نعم، يجب أن تنقطع طائفة منا إلى هذه «الكتب الصفراء» فيقرؤوها ويفقهوها حق الفقه؛ يجب أن نقرأ النحو لا في هذه الكتب المدرسية فحسب بل في المغني والأشموني وفي كتاب سيبويه وفي مفصّل الزمخشري. وأن نقرأ كتب اللغة، وأن نطالع كتب الأدب العربي الكبرى كالأغاني والكامل والبيان والأمالي، وأن نقرأ كتب البلاغة وأن ندرس الأصول والمنطق، ونقرأ تفسير الكشاف مثلاً وكتاباً آخر في الحديث، وأن يكون تحت أيدينا كتاب من كتب اللغة موسَّع كاللسان أو التاج أو القاموس على الأقل، وأن نرجع إليه عشر مرات في اليوم ... ولعلي أفزعتك وأوقعت في وهمك أني رجعي لأني أفرض هذا كله على كل أعضاء المجمع! كلا يا سيدي؛ أنا لا أفرض على أحد فرضاً ولكني أراه فرض كفاية علينا، يجب أن يقوم به بعضٌ كما يقوم بعضٌ بتفقه الأدب الإنكليزي أو الفرنسي ودراسة مناهج النقد فيه وأصول التحليل وتطبيقها على أدبنا، وكما نجد كثيرين منا (كالسيد العجلاني وعفلق) يقبلون على العمل في هذه الجهة نرى آخرين (كالسيد الأفغاني والسيد الجيرودي وأنا) يقبلون على العمل في الجهة الأخرى، وأكاد أثق أن الأفغاني والجيرودي لا يَقبلان منذ الآن إدراكاً وفقها لهذه العلوم الإسلامية العربية عمّن أفنى عشرين سنة من حياته في دراستها وحدها، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015