من حديث النفس (صفحة 250)

لا صلاة، ولا ذكر، ولا تمييز لحلال من حرام ... إن عملوا خيراً فباسم الأخلاق والفضيلة والصحة لا باسم الإسلام. فما الفرق بينهم وبين غيرهم؟

يقولون إن الدين المعاملة والصدق والقصد والاعتدال وأن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك. صحيح؛ ولكن هذا من الدين، وليس هو الدين! وهذا شأن كل شريف، يستوي فيه الشرفاء جميعاً، فما معنى تفريقهم إلى مؤمنين وملحدين وعبّاد وثن؟ وهذا كله للحياة الدنيا، فما الذي نعمله للحياة الأخرى؟

لا، بل الدين أن تتصل بالعالم العلوي، وأن تراقب الله، وأن تعلم أنه مطلع عليك أبداً، وأنه يرعاك بعينه فترعاه بقلبك وتطيعه بجوارحك.

هذه غاية الخلق وهذا سرّ الوجود: {مَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدون}، لا عبادة عادة، وصلاةَ رياضة، وصومَ استشفاء، وحجَّ سياحة؛ بل العبادة التي يحسّ بها القلب حلاوة الإيمان، ويذوق فيها لذة العبودية، ويستشعر فيها القيام بين يدي الله. ولتغامر مع ذلك في ميدان الحياة، ولتقحم لجَّها، ولتأخذ أوفر قسط من طيباتها ومن علومها ومن فنونها، ولتكن قوياً ولتكن غنياً.

هذه حقيقة الدين وهذه غاية الحياة، فهل يصل إلى الغاية من مشى أربعين سنة مائلاً عنها ضالاً طريقها؟

ألا يا ضيعة هذه السنين الأربعين!

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015