ولو كنت صادقاً إذ أدعو إلى الإسلام لكنت في سري وجهري وفي لساني ويدي واقفاً عند أمر الإسلام ونهيه، ولو كنت صادقاً لما انغمست في حمأة هذه الحياة التي سال علينا سيلها من الغرب، ولو كنت (وكان عشرة مثلي، صادقين) لما بقي في الأرض فساد. ولقد طهّر الأرضَ من أوضارها منبر واحد من الخشب، ثلاثُ درجات ليس لها درابزين ولا عليها قبة ولا لها باب، فلِمَ لا تطهر الأرضَ مئةُ ألف منبر مزخرفة منقوشة محلاة لها أبواب جميلة وقِباب؟ ألأنّ الناس فسدت طبائعهم؟ ألأنّ الزمان قد دنا آخره؟
لا؛ بل لأن القائمين عليها وعّاظ من خشب، يحملون سيوفاً من خشب!
* * *
أما إن الحق الذي لا بد الليلة من الصدع به أنه: لا هذه المواعظ ولا هذه المقالات هي التي توصل إلى الله، ولكن يوصل إليه أن يعود كل إلى نفسه فيسأل: من أين جاءت، وفيمَ خُلقت، وإلى أين المصير؟ وأن يعلم كلٌّ أن الطريق من «فوق»، فيرفع رأسه ليرى الطريق. ومَنْ منا يرفع اليوم رأسه، ونحن كالنحلة لا نبصر إلاّ الأرض؟ بل إن منّا مَن هو كالفراشة تسعى إلى النار، تحسب أنها باب الانطلاق!
إن المسيحيين يصلّون لربهم قبل الطعام على المائدة وقبل الدرس في المدرسة ويوم الأحد في الكنيسة، فتعلم أنهم مسيحيون، فما يصنع كثير من المسلمين؟ وأي علامة تدل على أنهم مسلمون، من ساعة يصبحون إلى ساعة يمسون؟!