من حديث النفس (صفحة 233)

كلنا هذه النتيجة التي انتهينا إليها وصممنا الوقوف عليها، وسكن الجدال فلا قيل ولا قال، وكفى الله (المؤمنين) القتال، والحمد لله على (كل) حال!

وأما «قلة المال» فلأن أجر القاضي الشرعي في بلادنا (أي مرتّبه) قليل قليل، وهو أدنى من سائر الحكام المدنيين، مع أنه يشترط فيه إجازة (ليسانس) الحقوق، والفوز في الامتحان المسلكي، وسَبق الاشتغال مدة في المحاماة ... وهذا حديث له مكان آخر.

وأما «اكتساب العلم» فهو النعمة المفردة بين نِقَم القضاء المتعددة، اللهمّ بعد نعمة الثواب إذا كان الله يكتبه لمقصّر مثلي لا يستحقه بعمله ولم تصفُ له نيته ولم يتجرد -بعد- عن حب الشهرة والجاه، وإن ضعفت رغبته فيهما وهانا عليه! إن المطالعة هي نعمة هذه المحنة في المهنة، ولقد كنت أُطالع دائماً وأنا معلم، بل إني لا أعرف أنه مرّ عليّ يومٌ واحد منذ عقلت إلى اليوم لم أقرأ فيه شيئاً، غير أني استفدت من القضاء الأنس بكتب الفقه والاستمتاع بها مثل استمتاعي بكتب الأدب أو قريباً منه. وعندي مجموعة منها صالحة إذا أنا استمررت على النظر فيها رجوت أن أكون يوماً من الأيام من أوعية هذا العلم، ذلك لأني أدأب على القراءة ولا يمنعني من السؤال عما لا أعرف حياءٌ ولا كِبر، ولأن لي -بحمد الله- ذاكرة لا تمسك النصوص بحروفها ولا الأرقام ولا الأبيات، غير أنها في حفظ المسائل ومواطن وجودها من العجائب. وما أعهد أني نسيت مسألة قرأتها أو سمعتها، وما أعهد أني تعرفت بإنسان وحفظت اسمه إلاّ بعد المخالطة الشديدة الزمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015