والجن، وأن نجعل قضاءنا بهم أول ما نعقد عليه الخناصر إذا عددنا المفاخر (وما زال قضاء كل أمة أول مفاخرها)؛ قضاتنا الأولون شُريح وإياس وشريك وأبو يوسف والعز بن عبد السلام ومنذر بن سعيد (?)، ومن أذكر الآن ومن لا أذكر ممن يقصر عنه العد ويضيق الحصر.
ولولا أني عامل على تأليف محاضرة وافية بهذا الغرض ولا يجمل بي إذاعتها بالنشر قبل نشرها بالتلاوة (?) لأفضت في هذا الموضوع إفاضة من وجد مجال القول واسعاً، والمقول جديداً مسعفاً، والسامع مصغياً متشوقاً متلهفاً. لذلك يعظم الناس اسم القاضي لأنهم يذكرون به هؤلاء وأمثالهم، وعهداً رحم الله ذلك العهد، كان فيه القاضي قاضياً في كل خصومة بشرع الله حاكماً بما أنزل، لم يكن المسلمون يهجرون فيه جواهرهم ولآلئهم لخزيفات يستجدونها من أيد أشحة بها لأنها لا تملك غيرها، ولا يدَعون شرع أحكم الحاكمين لشرع بشر من ماء وطين، وكان من مشاغل علمائهم البحث في الحسن والقبح هل هما شرعيان أو عقليان وكثر في ذلك الكلام، فلما صرنا إلى هذه الأيام ذهب ذلك الخصام وحلّ مكانه الوئام، واصطلح أهل عصرنا من الناشئة والشبان على أن الحسن ما حسّنه (أولئك ...) والقبح ما قبّحوه، وارتضينا