خلال ضباب كثيف فلا أتبين صورهم ولا أصواتهم، وسرعان ما أملّ منهم وأطلب جديداً. كانت أيامي متشابهة متشاكلة فكنت أحب أن أجد كل لحظة شيئاً جديداً.
ضعفت قواي وضاعت إرادتي ولم يبقَ لي طاقة على المشي ولا قدرة على المحاكمة العقلية، ولم يبق حياً فيّ إلا لساني ... أكُلّ ذلك لأن جرثومة صغيرة دخلت جسمي؟! يا لضعف هذا الإنسان القويّ!
* * *
تألمت في هذا المرض لكني تعلمت؛ تعلمت في الحياة درساً جديداً (وما الحياة إلاّ دروس ...) هو أن المرض نعمة ليس بنقمة، وأنه لازم للإنسان لا يدرك قيمة الصحة ولا يعرف معنى الحياة ولا يرجع إلى نفسه إلاّ إذا مرض، هنالك يدرك معاني هذه الأشياء التي يمرّ بها وهو صحيحٌ مرّاً سريعاً لأنه مشغول عنها بما لا نهاية له من الصغائر والترّهات. وإن للمريض -قبل لذّة الصحة- لذتين؛ لذة هذا العطف الذي يُحاط به والحب الذي يغمره ... ولن أنسى أبداً عطف مدير الكلية وناظرها عليّ وحبَّ الطلاب إياي، وإني لأسيغ ذكرى الألم إذا تصوّرت هذين الطالبين اللذين كانا يقيمان الليل كله بجانبي، إذا قلت «آه» أو انقلبت من جنب إلى جنب كانا واقفَين أمامي، آثراني على أهلهما وفضّلا راحتي على راحتهما، أما عطف إخوتي وأهلي فلست أذكره.
ولذة أخرى، وهي اللذة الكبرى التي يجدها ساعة يلجأ إلى الله ويدعوه مخلصاً مضطراً. وكنت إذا وُصف لي مريض به مثل ما