أبواب السجون وأعِدّت له حبال المشانق! ثم يتصدرون المجالس يفتخرون بأنهم أصدقاء الإنسانية ... أفأعطيهم بطني ليشقوه ويردّوني مريضاً بعد إذ أنا معافى وأتعجل الداء بنفسي؟ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين!
* * *
لم يكن يفزعني شيء وأنا مريض مثل ما يفزعني الليل بسواده وامتداده؛ كنت أخافه أشد الخوف وأحسب لمجيئه الدقائق والثواني، وأرقبه كما يرقب المحكوم ساعة القتل، ذلك أني لم أكن أستطيع النوم ولا أطيق الجلوس، وإنما أستطيع أمراً واحداً هو الاضطجاع على قفاي أحدّق في السقف ليلاً ونهاراً ... ولطالما رأيت في السقف بقعة سوداء فخُيّل إليّ -لطول التحديق فيها- أنها حية تريد أن تنقضّ عليّ أو رُتَيْلاء كبيرة ذات تسع وتسعين رجلاً وعشرة رؤوس، أو مجموعة من العقارب أو عفريت من الجن أو جني من العفاريت، فأصيح فزعاً وأنطلق أهذي هذيان محموم حرارته أربعون!
إني لأضحك الآن وأكركر من الضحك حين يعيدون عليّ ما كانوا يسمعون مني إذ أهذي، وأرى فيه صورة واضحة لكثير مما أقرأ في الصحف والمجلات ينشره أصحابه على أنه أدب ويقرؤه الناس على أنه ثرثرة وهذيان محموم!
وكان أحبَّ شيء إليّ وأنا مريض أن يَكثر الناس من حولي، ثم يتحدثوا شتى الأحاديث لأخلص من وحدتي وأتسلى عن ألمي وأذكر جانباً مما في الحياة ... ولكني كنت أسمع أصواتهم كأنها خارجة من جوف بئر سحيق أو أعماق مغارة بعيدة، وأراهم من