من حديث النفس (صفحة 208)

قهوة أو ولوج سينمة، أو إسراع في مشية في طريق، أو مزحة نابية أو قهقهة مقرقعة في مجلس ... وتتطبع على ذلك حتى يعود لك طبعاً. وإن اتخذت (البرنيطة) جنحت بالضرورة إلى مصاحبة أهلها ومجالستهم، وملت عن المساجد ومجالس العبادة ولو كنت مصلياً متعبداً، ومن هنا جاء النهي عن التشبه بغير المسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة ...

على أني إن تركت الأدب فما أنا بتارك الكتابة. وإنّ من الكتابة لعلماً، وإن منها لإصلاحاً، وإن منها لما ينفع الناس ويدلهم على طريق الخير ... كما أن من الكتابة ما هو ثرثرة جميلة وتسلية سخيفة ولغو من القول يذهب جفاء ... فلينظر ذوو الأقلام ما يأخذون منها وما يدَعون، ولينظر القراء ما يقرؤون منها وما يهملون!

* * *

أعتذر إلى القراء مرة ثانية من الحديث عن نفسي، فإنه أثقل الأحاديث على أذن السامع، ولكنها صناعة الأدب، قاتلها الله!

ولقد أردت -حين شرعت في هذه المقالة- أن أقول أشياء كثيرة زورتها في نفسي وأعددتها، فلما بلغت الكلام عن أول درس ألقيته، وذكرت هذه المرحلة من حياتي التي قضيتها معلماً وتنقلت في الآفاق، ورأيت فيها من المتع والآلام ومن بيض الليالي وسود الأيام ما لا يعلم حقيقته إلا الله ... وما لم أصف في مقالاتي في «الرسالة» إلاّ الأقل الأقل منه ... لما بلغت ذلك اعتلج في نفسي من العواطف وثار فيها من الذّكَر ما عقل قلمي وحبسه عن المسير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015