هذه هي قصة ابتلائي بهذا الأدب الذي أنا تاركه اليوم، أو ظانٌّ أني تاركه، ومقبل على الفقه أجدّد العهد بما قرأت من كتبه وواهب له قوّتي ووقتي (?)، فليهنأ الذين يجدون فيّ سداً في وجوههم أن يبلغوا من الأدب ما يريدون، والذين يرون أني مزاحمهم على هذا المورد الآسن.
ولقد كنت أهزل يوم كتبت أفضل الأدب على العلم، وأين من أين؟ وهل تستوي الحقائق والأوهام؟ وهل من علمٍ يوازي علمَ الفقه ويضارعه شرفاً، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وبه تضمن الحقوق ويدرأ الخصام ويعم السلام ... ؟ ولئن فزع الشباب من زيِّ أهل الفقه وخافوا أن يوصَموا بالجمود والرجعية، فما يُفزع ذلك مَن سمِّي بالشيخ وارتضاه له اسماً، ولا تثقل عليه عمامته إن كوّرها ولا لحيته إن أطلقها ... وللثياب، لا جرم، عمل في تكوين طبائع المرء وتوجيه سيرته، فأنت حين تتخفف من الثياب أو تتخذ ثياب أهل الرياضة (السبور)، فتلبس السراويلات المناكير القصار أو التبّان، تشعر بالخفة وتميل إلى القفز والتوثب وتكره القرار على الأرض، فإن أطلت لبسه أوشك أن يكون ذلك لك عادة. وإن لبست الجبة ولبثت على هامتك العمامة ملت إلى التوقر والرزانة، ولم تستطع أن تأتي ما هو مناف لها، وتنزهت حتى عن قعود في