حتى الكسائي الذي قرأ على الخليل ويونس وعيسى بن عمر، ورأى تحريهم فيما ينقلون وفيمن يشافهون؛ زايل التحري حين انتقل إلى بغداد وكان أمره كما قال أبو زيد الأنصاري: "قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما، وأخذ منهم نحوا كثيرا، ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمية فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن، فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله"1.

كل ما تقدم مشهور متعارف عند أهل العلم قديما، حتى إن ابن سلام لما نقل قوله المفضل الضبي: "للأسود بن يعفر ثلاثون ومائة قصيدة" عقب عليه بقوله: "ونحن لا نعرف له ذلك ولا قريبا منه، وقد علمت أن أهل الكوفة يروون له أكثر مما نروي, ويتجوزون في ذلك بأكثر مما تجوزنا"2.

ولا تظنن هذا الطابع طبع مدرسة الكوفة في علوم العربية فحسب، بل هو سمتهم في كل ما يعتمد السماع، وإليك حكم الخطيب البغدادي على المدرسة الكوفية ومدرسة البصرة في الحديث قال: "ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم. والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل, قليلة السلامة من العلل"3.

هذا فرق ما بين المدرستين في أمر السماع وصحته والتحري فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015