حتى يُنشر قدر كافٍ من هذه النفائس المضنون حتى بأسمائها، وحتى يسهم في التعاون على ذلك أفاضل المغاربة وهم -على ما تحققت بنفسي- غير قليل، فيبحث كل فيما تصل إليه يده من كتب الفن, يصفها ويصنفها وينشر ذلك مع ما ينتهي إليه من رأي في هذه المسألة، فإذا شاعت هذه الآراء رجوت أن تضيء المذاكرة حولها نواحي مظلمة في تاريخ النحو. ولأحاول الآن قول شيء في الموضوع مع خفوت الشعاع وضياع المعلوم النزر في المجهول الغزير, ولا جود إلا بالموجود كما يقولون.

يعرف المطلعون عناية الأندلسيين بعلم النحو منذ الزمن الأقدم، ويحفظون كلمة ابن سعيد: "النحو عندهم في نهاية من علوّ الطبقة"1 وليس في هذا مبالغة قط. ولقد حلا لي استشارة الأرقام فعمدت إلى "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي، فأحصيت ما فيه من تراجم فإذا هو نحو من "2450" ترجمة لعلماء من جميع الأقطار الإسلامية بين الصين وبحر الظلمات، ووجدت للأندلسيين بينها نحوا من "712" ترجمة، وهذه نسبة عالية جدا أن يبلغ في هذا المصدر علماء هذا القطر القليل المساحة قريبا من ثلث علماء العالم الإسلامي كله.

وما أكثر ما تتكرر هذه المدن والقرى الأندلسية في تراجمهم ونسبهم: باجة، شريش، بلنسية، جيان، مالقة، سرقسطة، دانية، بياسة، المرية، قلعة رباح، لبلة، لوشة، مورور،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015