ويجدر بنا بعد أن عرجنا على دلالات التعبير عن طرفي النهار - حقيقة ومجازاّ وكناية - بمقابلاتها المتعددة في النظم الكريم، وبعد أن وقفنا - ما وسعنا الجهد - على بعضٍ من أسرار تنوع هذه المقابلات ومزايا مجيئها على النحو الذي انصبت فيه، وفاء بحق السياق.. أن نبحر للتعرف على المقامات التي وردت فيها تيك المقابلات طمعاً في استجلاء المزيد من دلائل الإعجاز في كتاب الله العزيز، ورجاء الوقوف على بعض أسرار نظمه وبدائع كلمه، ولنبدأ بآخر ما انتهينا إليه وهو:
مقام الإشادة بالصحابة في ملازمة بيوت الله وإعمارها صباح مساء بالذكر والدعاء:
ويسترعي انتباهنا في هذا المقام آيتان وردتا في حق الصحابة الإجلاء عليهم الرضوان، هما قوله سبحانه: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.. الأنعام/ 52) ، وقوله: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.. الكهف/28) ، أي دائبِين على الدعاء في جميع الأوقات سيما ما كان منها في طرفي النهار، ففي الكشاف أنه بعد أن "ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا - يعني في قوله: (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلهم يتقون.. الأنعام/5) - أردفهم ذكر المتقين منهم وأمره بتقريبهم وإكرامهم، وأن لا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته، ويواظبون عليها. والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام" (?) .