وقد صدرت عبارات كثيرة من أهل التأويل تشير إلى أن المقصود بذكر الوقتين فيما كان الأمر فيهما بالدعاء مثلاً أو بالتسبيح أو الذكر، استيعاب الزمان والدلالة على الدوام، وعقبت على ذلك بضروة أن توضع الآيات تلك في سياقاتها لتفهم وتحمل على وجهها الصحيح، ذلك أنه يشتم من كلامهم، أنهم يقصرون المعنى فيما يمكن حمله على الكناية كما في الآية المذكورة وكذا ما جاء على شاكلتها على معنى الاستدامة ويجعلونه حقيقة فيه، وربما حمّلوا الآية بسبب هذا ما لا تحتمل، والذي ينبغي الالتفات إليه أن الكناية أخت الحقيقة إذ ليس هنالك ما يمنع من إرادة المعنى الأصلي للفظ مع المعنى الكنائي، وذلك ما أراده البلاغيون بقولهم عنها أنها: (لفظ أطلق وأريد به لازم معناه، مع جواز إرادة معناه الأصلي) .

وعلى نحو ما أغرب البعض في الاقتصار على المعنى الكنائي لِما يحسن حمله عليه، كما فعل ابن عاشور والآلوسي مثلاً في تناولهما لقوله سبحانه: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.. الأنعام/52) على ما ذكرته لهما قبلاً، لم يتوسط آخرون فقصروه على الحقيقة وربما حمّلوا المعنى في الآية بسبب هذا أيضاً ما لا تحتمل، ونذكر على سبيل المثال ما ذكره الطاهر في معنى الغدو والآصال الواردين في قول الله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال.. النور/36، 37) ، يقول: "المراد بالغدو: وقت الغدو وهو الصباح، لأنه وقت خروج الناس في قضاء شئونهم، والآصال جمع أصيل وهو آخر النهار" (?) ، مع أن سياق الآية ناطق بغير ذلك، ولك أن تستشعر مصداق ذلك عندما تبصر صدر الآية ذاتها، وكذا وأنت تقرأ قوله تعالى بعد: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.. الآية) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015