ولا شك أن رجال خير القرون- القرون المفضلة بنص الحديث1- هم خير من مثَّل هذا المنهج والتزم به وذب عنه ودعا إليه بالقول والعمل.
والمستقرئ لتاريخ القرون الثلاثة المفضلة يجد أنه رغم ظهور البدع وتأسيسها في هذه القرون إلاَّ أن المنهج السائد والمسيطر هو منهج أهل السنة والجماعة، وأن تلك البدع محصورة وأهلها معروفون ومحذرٌ منهم، حتى أن من لم تكن بدعته مكفرة وليس بداعية إليها واستجاز السلف قبول روايته كانوا معروفين، معدودين ومبين حالهم في كتب التواريخ والتراجم.
ولما قويت شوكت التجهُّم والإعتزال على أيدي المأمون والمعتصم والواثق لم يدم ذلك طويلاً ثم عادت النصرة لمنهج أهل السنة والجماعة بفضل الله ثم بوقفة ذلك الإمام الهمام الصديق الثاني أحمد بن حنبل، علما بأنه طوال محنة الأمة بهذه البدعة لم يكن المعتقدون لها كثير، وإنما أجاب إلى القول بها مَنْ أجاب خوفاً من السلطة مع اطمئنان قلبه بالإيمان.
أما فيما بعد تلك القرون المفضلة فلا شك أن طوفان البدع قد طفح كيله حتى طغى في كثير من العصور المتأخرة على منهج أهل السنة والجماعة إلاّ أن الغلبة كانت في النهاية لمنهج أهل السنة والجماعة، وهكذا المنهج القويم الذي كان عليه الأنبياء والرسل تكون الدالة له في العقبى كما جاء في حديث أبي سفيان مع هرقل في كتاب بدء الوحي من صحيح البخاري.