عن عبد الله بن بشر: أن طاوس اليمني كان له طريقان إلى المسجد: طريق في السوق وطريق آخر، فيأخذ في هذا يوماً وفي هذا يوماً، فإذا مر في طريق السوق فرأى تلك الرءوس المشوية لم ينعس تلك الليلة.
وعن سفيان قال: كان طاوس يجلس في بيته فقيل له في ذلك، فقال: حيف الأئمة وفساد الناس.
وعن ابن طاوس قال: قلت لأبي: أريد أن أتزوج فلانة، قال: اذهب فانظر إليها.
قال: فذهبت فلبست من صالح ثيابي وغسلت رأسي وأتيت، فلما رآني في تلك الهيئة قال: اقعد لا تذهب.
كأنه خشي أن يدلس عليها، فكأنه أحب أن يذهب بثيابه وبهيئته، فلا يغسل رأسه ولا يلبس ثياباً جديدة.
وعن عبد الرزاق قال: سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف أخا الحجاج -أو أيوب بن يحيى - بعث إلى طاوس بـ700 دينار أو 500، وقال للرسول: إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك -من أجل أن يؤكد عليه أن يقبلها منه- قال: فخرج بها حتى قدم على طاوس فقال: يا أبا عبد الرحمن! نفقة بعث الأمير بها إليك.
قال: ما لي بها من حاجة، فأراده على أخذها فأبى أن يقبل طاوس، فرمى بها في كوة البيت -والكوة: تجويف في الحائط- ثم ذهب فقال لهم: أخذها -من أجل أن يأخذ الجائزة- فلبثوا حيناً، ثم بلغهم عن طاوس شيئاً يكرهونه، فقالوا: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا.
فهم يعتقدون أنه أنفق هذا المال ويصعب عليه أن يرد لهم هذا المال، فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعث به إليك الأمير.
فقال: ما قبضت منه شيئاً، فرجع الرسول فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقال: انظروا الذي ذهب بها فابعثوا إليه، فبعثوه فجاءه وقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن! قال: هل قبضت منك شيئاً؟ قال: لا.
قال: هل تعلم أين وضعته؟ قال: نعم، في تلك الكوة، قال: انظر حيث وضعته، فمد يده فإذا هو بالصرة قد نسجت عليها العنكبوت، قال: فأخذها فذهب بها إليهم.
وعن أيوب قال: سأل رجل طاوساً عن شيء فانتهره، ثم قال: أتريد أن تجعل في عنقي حبلاً ثم يطاف بي؟! وعن عمر بن طاوس قال: جاء رجل من الخوارج إلى أبي فقال: أنت أخي.
فقال أبي: أمن بين عباد الله؟! المسلمون كلهم إخوة.
وذلك أنه يعرف أنه يكفر المسلمين، فلما قال له: أنت أخي قال له: أمن بين عباد الله؟! يعني: وهل البقية كفار وأنا مسلم؟! فقال: المسلمون كلهم إخوة.
وعن أبي عاصم قال: زعم لي سفيان قال: جاء ابن لـ سليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاوس فلم يلتفت إليه.
فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه! قال: أردت أن يعلم أن لله عباداً يزهدون فيما في يديه.
وقال الحافظ: قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحداً أعف عما في أيدي الناس من طاوس.
وقال ابن عيينة: متجنبو السلطان ثلاثة: أبو ذر في زمانه، وطاوس في زمانه، والثوري في زمانه.
وطاوس كان في زمن كبار التابعين، وأما الثوري ففي الطبقة التي تليها أو في زمن أتباع التابعين، وكان من كبار أتباع التابعين، وهو من طبقة الإمام مالك وابن المبارك والليث بن سعد وغيرهم.
وروي عن عبد الرزاق عن أبيه قال: كان طاوس يصلي في غداة باردة مغَيمة، فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج -أو أيوب بن يحيى - في موكبه وهو ساجد، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع فطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم نظر فإذا الساج عليه، فانتفض ولم ينظر إليه ثم مضى إلى منزله.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر المكي: رأيت طاوساً وبين عينيه أثر السجود.
فقد كان الأئمة أئمة في العلم وفي العبادة وفي الورع وفي الجهر بكلمة الحق.