[أولًا أحكام المريض والمحتضر]

أولًا: أحكام المريض والمحتضر: وإذا أُصيبَ الإنسانُ بمرضٍ، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع ويسخط لقضاء الله وقدره، ولا بأس أن يُخبر الناس بعلته ونوع مرضه، مع الرضا بقضاء الله.

والشَّكوى إلى الله تعالى، وطلب الشفاء (منه) لا ينافي الصبرَ، بل ذلك مطلوبٌ شرعًا ومستحبٌّ؛ فأيوب عليه السلام نادى رَّبه وقال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]

وكذلك لا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة، بل ذهب بعضُ العلماء إلى تأكُّد ذلك، حتى قَارَبَ به الوجوب؛ فقد جاءت الأحاديثُ بإثبات الأسباب والمسبِّبات، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالطعام والشراب.

ولا يجوز التداوي بمحرَّم؛ لما في "الصحيح" عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: " «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» " (?) .

وروى أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: " «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواءً، فتداووا ولا تداووا بحرام» " (?) .

وفي صحيح مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخمِر: " «إنه ليس بدواء ولكنَّهُ داءٌ» " (?) .

وكذلك يحرْمُ التداوي بما يمسُّ العقيدة: من تعليق التّمائم المشتملة على ألفاظ شركّية، أو أسماء مجهولة أو طلاسم، أو خَرزٍ أو خيوط، أو قلائد أو حلق، تلبس على العضد أو الذراع، أو غيره، يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء؛ لما فيها من تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وذلك كله من الشرك أو من وسائله الموصلة إليه.

ومن ذلك أيضًا التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن، فعقيدة المسلم أهم عنده من صحته.

وقد جعل الله الشفاء في المباحات النافعة للبدن والعقل والدين، وعلى رأس ذلك القرآن الكريم، والرقية به وبالأدعية المشروعة.

قال ابن القيم: (ومن أعظم العلاج فعلُ الخير والإحسان، والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها) انتهى.

ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض وعلاجها في المستشفيات وغيرها.

وتسن عيادة المرضى؛ لما في الصحيحين وغيرهما: " «خمسٌ تجِبُ للمسلم على أخيه» "، وذكر منها: عيادة المريض (?) .

فإذا زاره، سأل عن حاله؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدنو من المريض، ويسأله عن حاله.

وتكونُ الزيارةُ يومًا بعد يوم، أو بعدَ يومين، ما لم يكن المريض يَرْغَبُ الزيارة كلّ يوم، ولا يطيل الجلوس عنده إلا إذا كان المريض يرغب ذلك.

ويقول للمريض: " «لا بأس عليك طهور إن شاء الله» " (?) ويُدْخِلُ عليه السرور ويدعو له بالشفاء، ويرقيه بالقرآن، لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين.

ويُسنُّ للمريض: أن يوصيَ بشيءٍ من ماله في أعمال الخير، ويجبُ أن يُوصِي بماله وما عليه من الدّيون وما عنده من الودائع والأمانات، وهذا مطلوب حتى من الإنسان الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «ما حقُّ امريء مسلم له شيءٌ يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» " (?) متفق عليه.

وذِكرُ الليلتين تأكيدٌ لا تحديد، فلا ينبغي أن يمضي عليه زمان - وإن كان قليلًا - إلا ووصيته مكتوبة عنده، لأنه لا يدري متى يدركه الموت.

ويُحَسِّنُ المريض ظنه بالله، فإن الله عز وجل يقول: " «أنا عند ظن عبدي بي» " (?) ويتأكد ذلك عند إحساسه بلقاء الله.

ويسن لمن يحضُرُه: تطميعه في رحمة الله، ويغلب في هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف، وأما في حالة الصحة، فيكون خوفه ورجاؤه متساويين؛ لأن من غلب عليه الخوف، أوقعه في نوع من اليأس، ومن غلب عليه الرجاء، أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله.

فإذا احتضر المريض: فإنه يسن لمن حضره أن يلقّنَه: لا إله إلا الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» " (?) رواه مسلم.

وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص، فتكون ختام كلامه؛ فعن معاذ مرفوعًا: " «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة» " (?) ويكون تلقينه إياها برفق، ولا يُكثر عليه؛ لئلا يضجره وهو في هذه الحال. ويسن أن يوجه إلى القبلة.

ويقرأ عنده سورة يس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «اقرءوا يس على موتاكم» " (?) رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان.

والمراد بقوله: "موتاكم": من حضرته الوفاة.

أما من مات، فإنه لا يقرأ عليه، فالقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على الذي يحتضر؛ فإنها سنة.

فالقراءة عند الجنازة أو على القبر أو لروح الميت، كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، والواجب على المسلم العمل بالسنة وترك البدعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015