وإذا أراد الإمامُ الخروج لصلاة الاستسقاء، فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه، ويأمرَهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم؛ بردِّها إلى مستحقيها؛ لأن المعاصي سبب لمنع القَطر وانقطاع البركات، والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء؛ قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]
ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين؛ لأن ذلك سبب للرحمة ثم يعين لهم يومًا يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة، ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلُّلٍ، وإظهار للافتقار إلى الله تعالى؛ لقول ابن عباس: " «خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللًا متواضعًا متخشعًا متضرعًا» " (?) قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
وينبغي: أن لا يتأخر أحدٌ من المسلمين يستطيع الخروجَ، حتى الصبيانُ والنساءُ اللاتي لا تُخشى الفتنةُ بخروجهن، فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق، ثم يخطب خطبة واحدة، وبعض العلماء يرى: أنه يخطب خطبتين.
والأمر واسع، ولكن الاقتصار على خُطبة واحدة أرجحُ من حيث الدليل.
وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم، واستمر عملُ المسلمين عليه، وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة (?) وقال به بعض العلماء، والأول أرجحُ، والله أعلم.
وينبغي: أن يُكثر في خُطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به؛ لأن ذلك سبب لنزول الغيث، ويُكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى.
ويرفعُ يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يرفعُ يديه في دعائه بالاستسقاء حتى يُرى بياضُ إبطيه» (?) .
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة.
ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن (?) ؛ اقتداءً به، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]
ويُسَنُّ: أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحول رداءه، فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها؛ لما في "الصحيحين": " «أن النبي صلى الله عليه وسلم حوَّل إلى الناس ظهرَه، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه. . .» (?) .
والحكمةُ في ذلك - والله أعلم - التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث، ويحول الناس أرديتهم؛ لما روى الإمام أحمد: " «وحول الناسُ معه أرديتهم» " (?) ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت في حق أمته، ما لم يدل دليل على اختصاصه به.
ثم إن سقى الله المسلمين، وإلا أعادوا الاستسقاء ثانيًا وثالثًا؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
وإذا نزل المطر يسن: أن يقف في أوله ليصيبه منه (?) ويقول: «اللهم صيبًا نافعًا» (?) ويقول: «مُطرنا بفضل الله ورحمته» (?) .
وإذا زادت المياه وخيف منها الضرر: سُن أن يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظّراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر؛» لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك (?) متفق عليه، والله أعلم.