وغزا بلاد الروم يبغي وادي إلي ... قوت صاحب عزة وطماح
فقضى هنالك نحبه وأتى إلى ... أجل معد للحمام متاح
هذا الملك تبع الأفران: وهو ذو القرنين المذكور في القرآن، أبن شمر يرعش بن إفريقيس، بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش، وسمى الأقرن ذا القرنين لشيب كان على قرنيه ولد وهو فيه. وكان ملكا عظيما، عالما حكيما. قد أطلع علم الكتاب، وسمع حكومات من ينظر القرانات ويقال أنَّه القائل:
أنا الملك المتوج ذو العطايا ... جلبت الخيل من أوطان سام
ويقال: إنْ أباه شمر الذي قالها. ويقال: إنْ أباه الحارث قالها. والله أعلم.
وغزا تبع الأقرن بلاد الروم وأوغل فيها حتى قطعها. ووصف له أنْ بتلك الناحية واديا فيه الياقوت، وأنْ بالقرب منه عينا يسمى ماؤها ماء الحيوان الذي ظفر به الخضر دون ذي القرنين. فلما بلغ إلى هذه الناحية أدركه الشتاء هناك فمات ودفن هناك، وكرم الله وجهه أصحابه راجعين خوف الهلاك، فأرادت حمير أنْ تحمله إلى اليمن مثال ذلك الموضع. وهو موضع الظلمات، ولا يكون مظلما إلاّ إذا بعدت الشمس في أيام الشتاء، إذا هي انتهت في الجهة اليمانية عند حلول الشتاء رأس الجدي، فتصير تلك الأيام ليلا بلا نهار في ذلك الموضع. وفيه يقول قطن بن الغوث بن ذي الأذغار:
إنْ يمس في اللحد أبو مالك ... يسقي عليه الترب بالحصاب