ومعهم أولادهم، حتى وقفوا بأرض العراق، للذي بلغه من رفاهة عيشها وكثرة خيرها، يريد الأعاجم وملكها قباذ، فسار تبع حتى نزل أرض الحيرة، فعسكر بمجموعه فيها إلى الكوفة مما يلي شط الفرات، قبل أنْ تكون الحيرة والكوفة والبصرة بوقت طويل، ثم إنَّ العجم اجتمعوا إلى ملكهم قباذ ببابل، ولم يكن تبع علم هل اجتماعهم للحرب أو للهزيمة فبعث شمر ذا الجناح على مقدمته بالجيوش، وجرد معه الخيول، وأمره أنْ يجد في الطلب، حتى يلقى قباذا وأصحابه وجموعه، ورحل تبع في الأثر من مكانه الذي رحل منه شمر، مجدا في الطلب، فتحير في صحراء الحيرة، ثم نظر تبع فإذا هو غير بعيد من مكانه الذي رحل منه، فقال تبع: إنَّ لهذا المكان شأن عظيم، فخلف العيال وذوي الزمانة والضعفاء والأثقال وخلف معهم عشرة آلاف فارس لحفظهم وسمي تبع الحيرة الذي كان من تحيره، ومضى تبع حتى واقع قباذ - ببابل - وجموعه، واقتتلوا قتالا شديدا،
فانهزم قباذ وجنوده، حتى أتى الري فأتبعه ذا الجناح بالري وقد جمع فيها من عسكره جموعا كثيرة ليقاتلهم بها، فواقعه شمر ذو الجناح فقتل قباذا وفض جموعه بها، وأقبل تبع حتى وصل الحيرة بعد هزمه قباذا ببابل، فخلف بها من أحب أنْ يتخلف، وصار لوجهه ذلك إلى خراسان وغيرها مما تقدم ذكره في شعره الأول. ثم إنَّ تبعا بشر حمير بأن الملك سيعود إليه بعد أنْ يصير إلى قريش، ويعيده الله إليها على يدي رجل من ولد قحطان اسمه على ثلاثة أحرف يجمع الله له الأرض ويدعو إلى سبحانه، وذلك عند انقضاء ملك قريش، فإنَّ ملكها ليغرب قبل انقضاء الساعة وذلك إذا اختلف قريش في ذات بينها، فعند ذلك يخرج عيسى بن مريم عليه السلام على الحرمين، وعند ذلك يخرج ذلك الرجل من ولد قحطان.
قال: ولم يزل تبع يفتح البلدان، ويقتل الفرسان، ويركب البحار، ودخل الظلمات. وذلك أنْ الشتاء أدركه في تلك الأرض التي إذا بعدت عنها الشمس فصارت