ملتقي اهل اللغه (صفحة 6143)

لكن - ومع الأسفِ الشَّديد - أَجِدُ الأمرَ مُختلفًا تمامًا فى مُختلف المجالات الدّعوية بين عمومِ النَّاس.

أقولُ فى نفسى، رُبمَّا كان هذا هو الأنسب والأصحّ، لأن عمومِ النَّاس - وكما غلبت عليهم ألسنتهم - لا يستسيغون التحدُّث بالفُصحى، ولم يعتادوا عليْها فى مجالِسِهم.ومادُمْنا نريدُ أن تنجحَ الدَّعوةُ وتنتشِر، لا بُدَّ أن ننتقىَ لها ما عليه عموم النَّاس، طالما لم يكن مُخالِفًا أو مُحَرَّمًا.

لكن ترُدّ نفسى علىَّ قائِلةً: إنَّ هذا لا يَصِحّ، لأننا هكذا نُزيدُ فى نفوسِهِم عدم استساغة العربية الفُصحى، بل ونُساعدهم أكثر على بُغضِها من حيث لا ندري!

وكان نتيجة هذا الصِّراع أن اختُزِلَ الأمرُ - نهايةً - بالنسبةِ لي، أننى التزمت الفُصحى على الشبكة - وبفضل الله تعالى منذ أن بدأت أكتب فى الشَّنكبوت لم أكتب إلا الفُصحى - على أخطائي فيها- أسأل الله أن يبلغنى اليوم الذى أتقن فيه العربية كما يحب ربنا ويرضى -، وتواصيت مع إحدى الأخوات الفُضليات أن يكونَ حديثنا معًا كله بالفُصحى، وأن نساعدَ بعضنا بعضًا فى ذلك.

إلى أن مَنَّ اللهُ علىَّ إذ التقيتُ أحدَ النماذِج المُشرِقة، المُبهِرة حقًا، والتى جعلت الأمل يلوحُ فى نفسى مُجددًا،وهو أحد أساتِذة التَّفسير وعلومِه بكلية دار العلوم جامعة القاِهرة- قسم الشَّريعة الإسلاميّة -.

هذا المُعلِّم المِفضال لا يتحدَّثُ إلا العربيَّةَ الفُصحى،مع كل النَّاس، وقد أخبرنا أنه كذلك مع زوجتِهِ وأولادِه، كلهم يتحدَّثون الفُصحى فيما بينهم، وفيما بين النَّاس!!

وسبحان العلىّ العظيم، ما شاء الله يتحدَّث بطلاقةٍ وسلاسةٍ لم أرَ لها مثيلاً، لدرجة أنّ السَّامع يحسب من سلاستِهِ وطَلاقَتِهِ أنه يتحدَّث العاميّة دونما يشعُر!

ودائِمًا ما يؤكِّد فى كلامِهِ، على أنَّ العربيةَ الفُصحى سلِسة سهلة .. يفهمها كل النَّاس ولو لم يتحدَّثوا بها!

وضربَ لنا مَثَلاً؛ أنه كان يقود سيارته ذات يوْم، وكانت هناك امرأةٌ عجوز تعبر الطَّريق، فقال لها بصوتٍ مُرتفع: " احترسى! السَّيارة ورائَكِ! "

قال: وما لبثت تلك المرأة العجوز إلا أن انتبهت ونظرت خلفها حتى تحترِس من السيَّارة التى كانت ستداهمها من الخلف.

فالشَّاهِد من هذا الموقف، أن تلك المرأة فطنت إلى هذا التنبيه بسرعة، وأن المرءَ لا يحتاج - كى يتواصل مع من حواله دائمًا - أن يتحدَّث العاميّة وإلا لن يُفهَم!!

وكنتُ أرى ذلك رأىَ العَيْن، عندما كان ذلك المُعلِّم المِفضال يُحدِّث السَّاعي الذى يُحضِر القهوة وما إلى ذلك أثناء المُحاضَرات، كان يتكلَّم معه باللغة العربيةِ الفُصحى، ومع ذلك كان كلامه مفهومًا جدًا وكان الرجل يستجيب لكلامِهِ بكُل سهولةٍ ويُسر.

هذا مع عمومِ النَّاس؛ أمَّا مع الأهل، فالأمر - صدقًا - أيسر ما نتخيَّل بفضل الله - تعالى-.

فنحنُ لو وطدنا أنفسنا أن نمتثلَ للأهلِ فى مُختَلَفِ المواقف والأحداث أقوال الشُّعراء والأدُباء وحِكَمَهُم .. وأخذنا نُدخِلُ الألفاظَ العربيّة الأصيلة فى كلامِنا معهم شيئًا فشيئًا - ولو على سبيل المزاح والمُداعبة فى البداية- .. بإذن الله سيكون هذا الأمر مُثمِرًا للغاية. أقول ذلك عن تجربة بفضل الله - جَلَّ وعَلا -.

ورأيى - حاليًا، ولعله ينتقل إلى مرحلةٍ أُخرى أكثر تقدُّمًا وصِحةً ورُسوخًا بإذن الله، فالإنسان يتعلَّم فى كل لحظةٍ ما يُقوِّم به آراءه أو يثبت به عليها - أن التحدُّثَ بالعامية - فى أضيق حدود - يكونُ فقط مع كِبارِ السِّن، والإعذار أيضًا يكونُ لهم .. لأنهم نشأوا وشابوا على ذلك .. وربما بلغ الكثيرمنهم مبالغ فى العلم وهُم على ذلِك .. تجده أستاذًا فى الجامِعة أو حاذِقًا فى دراستِهِ وعَمَلِه، لكنه لا يفقه فى العربيةِ شيئًا!

لكن اللَّوم - كلُّ اللَّوْم - على الشَّباب -وهُم فى صِحَّتهم ووعيهِم وقلة الأعباء الحياتيّة عليهِم - أنهم يتخاذلون عن تعلُّم هذه اللغة العظيمة، وعدم التحدُّث بها وقبولها.

لذا فالتحدُّث معهم بالفُصحى يكونُ - بإذن الله - حافِزًا لهُمّ على تبادل الحديث بِها، ومُنبِّهًا لهُم على مكانتِها وأهمِّيتها.

وإن سَخِرَ مِنكَ السَّاخِرون، وسلقوكَ بألسنةٍ حِداد! فإنّ حسبَكَ الله!

كفاكَ فخرًا أنَّكَ تدعو إلى لغةِ القُرآن العظيم!

واللهُ المُستعان، وعليه -سُبحانه - التكلان، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العلىّ العظيم.

ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[01 - 11 - 2008, 10:37 م]ـ

لو افترضنا أن العرب كافة عادوا للتكلم بالفصحى ألن يلحن بعد مئة سنة أحد ما من جديد , ألن تفترق اللغة الأم إلى لهجات عدة كما حدث الآن.

يجب فحص هذا الأمر من جميع جوانبه للحصول على نظرة واضحة وتصرف محكم.

أستاذي، لعلك تمزح!

على هذا كلّ مشاريعنا ستتعطّل بحجة أنها لن تستمرّ، وأخشى أن يصلَ الأمر إلى الدعوة إلى الحق أيضاً بحجة ِ أن الناس لن يستمروا على الحق بل سينقلبون! أو ينقلب بعضهم!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015