ملتقي اهل اللغه (صفحة 6076)

إن فن التجويد واحد من الفنون التي لا يمكن أن تُتقن بالاعتماد على الكتب فحسب، إذ لا بدَّ فيه من التلقي والتلقين المباشر من أفواه الأشياخ المقرئين المتقنين ليتمرَّس الطالب بطريقة الأداء الصحيحة ويجتنب كل ما ينبغي اجتنابه، ومن فضل الله على هذه الأمة أن أرباب التجويد منتشرون في كل صقع من أصقاع الأرض، يعلِّمون هذا الفن حِسبةً لوجه الله سبحانه، إيمانًا بما ادَّخره الله سبحانه لهم من جزيل الثواب وواسع المغفرة وحسن المآب لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه)) [33] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn33).

وكتب التجويد ورسائله كثيرة منتشرة، من أجلِّها وأقدمها كتاب الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق التلاوة للإمام المقرئ مكي ابن أبي طالب القيسي (437هـ).

ـ[بنت محمد]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 07:59 ص]ـ

5 - مزاولة الفصاحة قراءةً وكتابةً وكلامًا:

لا يَعرفُ الشَّوقَ إلاَّ مَن يُكابِدُهُ ولا الصَّبابةَ إلاَّ مَن يُعانِيها

وأكاد أقول: ولا الفصاحة إلاَّ من يعانيها، فالفصاحة معاناة ومزاولة، تشترك فيها جميع الحواسِّ والمدارك، تبدأ بالسماع وتمرُّ بالقراءة لتنتهي بالكتابة والكلام الفصيح، فهي عمل متواصل للأذن والعين واليد واللسان، إذ هي تمرّس وتدريب يتبع الاكتساب والتحصيل، ولا يغني فيها اكتساب عن تمرُّس، ولا تحصيل عن تدريب، إنما تحصل بمجموع ذلك كله، ولعل أثر التمرّس والتدريب أكبر من أثر التحصيل والاكتساب لما لهما من أهمية في نمو ملكة اللغة وتثبيت أركانها وتوطيد دعائمها، وكلما أكثر المرء من استعمال لسانه في ضروب من الفصاحة كان ذلك أطلق للسانه وأبلغ لبيانه وأعودَ عليه بزيادتها وبلوغ الغاية فيها.

روى المبرد في الكامل أن رجلاً قال لخالد بن صفوان: إنك لتُكثر! فقال: أُكثر لضربين: أحدهما فيما لا تغني فيه القلة، والآخر لتمرين اللسان، فإن حبسه يورث العُقلة. وكان خالد يقول: لا تكون بليغًا حتى تكلم أمتك السوداء في الليلة الظلماء في الحاجة المهمة بما تتكلم به في نادي قومك، فإنما اللسان عضو إذا مرَّنته مَرَن، وإذا أهملته خار، كاليد التي تخشنها بالممارسة، والبدن الذي تقويه برفع الحجر وما أشبهه، والرِّجل إذا عُوِّدت المشيَ مشت [34] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn34).

ومما لا شكَّ فيه أن الخطابة ضرب من ضروب الفصاحة، بل هي مرتع خصب لها، وميدان واسع تتبدى مهارة الفصاحة من خلاله، والخطيب لا يغدو خطيبًا مصقعًا إلاَّ بمواصلة الدربة والتمرين، ومزاولة الخطابة والتمرس بأصولها والتدرب على فنونها، وما عرف عن خطيب أنه بلغ شأوًا في الخطابة متميزًا إلاَّ بعد طول دربة وتمرين وصقل، بالإضافة إلى ما حصَّله من علم ومعرفة، وما اكتسبه من ملكة وطبع.

جاء في زهر الآداب أن أبا داود كان يقول: ((رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحَلْيُها الإعراب، وبهاؤها تخيّر اللفظ، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه)) [35] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn35).

وجاء في البيان والتبيين: ((... وطول الصمت يفسد اللسان، وقال بكر بن عبد الله المزني: ((طول الصمت حُبْسة)) وقال عمر بن الخطاب رحمه الله: ((ترك الحركة عُقلَة))، وإذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره، وتبلَّدت نفسه، وفسَد حِسُّه، وكانوا يروُّون صبيانهم الأرجاز، ويعلمونهم المناقلات، ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الإعراب، لأن ذلك يفتق اللَّهاة، ويفتح الجِرْم [أي الحلق]، واللسان إذا أكثرت تقليبه رقَّ ولانَ، وإذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلط. وقال عَبَايةُ الجُعْفي: ((لولا الدُّرْبة وسوء العادة لأمرت فتياننا أن يماري بعضُهم بعضًا)).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015