ملتقي اهل اللغه (صفحة 5939)

السَّبْق العربي إلى تعريف اللغة تعريفاً لسانياً.

ـ[د. خديجة إيكر]ــــــــ[24 - 09 - 2011, 02:33 م]ـ

البسملة1

. إننا مدعوون جميعا إلى إعادة قراءة تراثنا قراءة جيدة ومتمعنة حتى نعيد للتراث بريقه الذي زال عنه بفعل الغبار الذي علق به بسبب إهمالنا له. فإذا قمنا بذلك لم تُبهرنا العلوم القادمة إلينا من كل حدب وصوب، ولم نَذهل للمصطلحات اللسانية الحديثة وكأن مدلولها جديد علينا.

ومن هذا المنطلق ارتأيت أن أعطي مثالا يبين أن هذا التراث زاخر بالنصوص ذات الصلة بعلم اللغة أو اللسانيات الذي يظن الكثيرون بأنه علم حديث لم يعرفه العرب من قبل. نعم إنه حديث بمصطلحاته، وجديد بنظرياته اللسانية المختلفة، ولكنه علم عربي بامتياز عرفه العرب منذ النشأة الأولى للعلوم العربية في منتصف القرن الأول الهجري. ولكن بطبيعة الحال لم يَرْقَ إلى مستوى التنظير كما هو الشأن في العصر الحديث عندما ظهرت اتجاهات مختلفة ومناهج متعددة في دراسة اللغة كالاتجاه الوصفي عند دوسوسير، والمنهج التوليدي التحويلي عند شومسكي والنظرية السلوكية في اللغة عند بلومفيلد، والاتجاه الاجتماعي عند فيرث ... فالعوائق كانت كثيرة والعوامل متعددة ـ ليس المجال هنا لذكرها ـ لعدم اهتمام اللغويين العرب بالتنظير، وهذا لا ينفي أن المبادئ الأولى والإرهاصات الأساسية له كانت موجودة في تراثنا العربي الإسلامي.

لنقرأ على سبيل التمثيل لا الحصر نص ابن جني في كتابه "الخصائص"،ج1،ص33، "باب القول على اللغة وما هي"، وفيه يورد تعريفا دقيقا جدا للغة لم يضف إليه اللسانيون المحدثون شيئا جديدا وهم يعرفون اللغة، يقولابن جني:"أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم "

إننا عندما نُنهي قراءة هذا النص نظن نفسنا أمام لساني من اللسانيين المحدثين، كدوسوسير أو بلومفيلد او شومسكي أو فيرث أو غيرهم ... كيف لا والنص احتوى كل مقومات النص اللساني العلمي الذي يقدم التعريف الدقيق، ويضع اللفظ المناسب لكل معنى يريده دون إطالة أو استطراد غير مفيد أو تلاعب بالألفاظ.

إن نص ابن جني يورد تعريفا جامعا مانعا لمفهوم اللغة والذي يطلق عليه اسم "الحد"، وهذا مصطلح استعمله القدماء وهو مرادف لمصطلح "تعريف" عندنا. فمَن مِن اللسانيين ينكر بأن اللغة هي في المقام الأول عبارة عن" أصوات "كما سماها ابن جني، أو حروف أو (phonemes) ؟ هذه الأصوات أو الحروف التي تعتبر أصغر وحدة صوتية لا معنى لها والتي يختلف عددها من لغة إلى أخرى، ويتميز كل حرف منها بمخارج صوتية خاصة وصفات ومميزات خاصة تميزه عن سائر الحروف الأخرى، ومن منهم يستطيع أن يجادل في أن المستوى الأول من مستويات التحليل اللغوي هو المستوى الصوتي (phonetics =la phonetique) الذي يدرس الصوت الإنساني الصادر عن أعضاء النطق، فيحلله إلى عناصر جزئية، ويصنف الأصوات حسب مخارجها وصفاتها؟

وتتجلى دقة التعبير عند ابن جني حين يقول "كل قوم " وليس "القوم " علما منه بأن التواصل لن يتحقق إذا كان كل من طرفي العملية الكلامية: المتكلم والمتلقي لا ينتميان إلى المجموعةاللغوية (linguistic groupe) نفسها. وهذا شرط أساس نص عليه جميع اللغويين المحدثين لأن بدونه لن تؤدي اللغة وظيفتها ولن يتم التفاهم بين المتكلم والمتلقي.

ينتقل النص بعد تعريف اللغة إلى الحديث عن وظيفتها الأساسية وهي التواصل (lacommunication) الذي سماه "التعبير عن الأغراض" أفليس التعبير عن شعور ما أو إيصال معلومة أوخبر أوفكرة أو ... أو .. أغراضا نعبر عنها ونحن نتواصل باللغة؟ ربما لم توجد اللغة إلا لتحقيق هذه الغرض الأساس وهو التواصل بين بني البشر.

إن هذه التأملات السريعة جدا في تراثنا القديم توضح بما لا يدع مجالا للشك بأن القدماء كانوا على إلمام كبير بعلوم اللغة، وجهلُنا بما تضمنه التراث من كنوز علمية في شتى المجالات هو الذي يدعونا إلى إنكار سبقهم إلى العلوم بقرون عديدة.

ـ[عَرف العَبيرِ]ــــــــ[24 - 09 - 2011, 02:41 م]ـ

الحمد لله وبعد:

أهلاً وسهلاً بالدكتورة الفاضلة / خديجة، التى أنارت الملتقى، أسأل الله أن يبارك فيكِ، وينفع بكِ حيثما نزلتِ.

ـ[د. خديجة إيكر]ــــــــ[24 - 09 - 2011, 02:50 م]ـ

الحمد لله وبعد:

أهلاً وسهلاً بالدكتورة الفاضلة / خديجة، التى أنارت الملتقى، أسأل الله أن يبارك فيكِ، وينفع بكِ حيثما نزلتِ.

شكر الله لك أخي عرف العبير ترحيبك ومرورك. بارك الله فيك.

ـ[أبو محمد النجدي]ــــــــ[26 - 09 - 2011, 01:25 ص]ـ

أحسنتِ , ولكن هذه العلوم وإن وجدت في التراث العربي القديم , ولكنها على شكل نُتفٍ لم ينظر لها ولم تقعد , وإنما إشارات عابرة وسريعة لا ترقى إلى تقرير علمٍ من العلوم ..

والتراث العربي مملوء بهذه الإشارات التي فُسّرت بعد, كما نرى في السيميائية فإن هذا العلم هو (سيموتك) ويعني علم العلامة , وفي لسان العرب (سيمياء) أي العلامة.

مرّة أخرى هذه الإشارات لا تلغي تفرد الغرب في تشقيق العلوم والتقعيد لها.

واللسانيات له أصل يوناني سبق الأصل العربي كما في أحاديث أرسطو وغيره.

والعلوم الإنسانية هي علوم تراكمية بمعنى أن اللاحق يفيد من السابق , كما فعل الأوروبيون في النهضةِ الحَديثةِ التي بدأت منذ 400 عام حيث سبق هذه النهضة انكباب متواصل على التراث العربي ونقله إلى لسانهم والتأمل فيه, والإفادة منه, صرّح بذلك العقلاء منهم , وجحده المتعصبون ..

وقد أشار أحدهم إلى هذا المعنى فقال أننا نحن الأوروبيون إذا وصلنا إلى علوم لم يصلها العرب لا يعني أننا أرفع منهم وإنما لأننا نرقى على أكتافهم فنرى أبعد مما رأو ولو لم نصعد عليها لما تجاوز نظرنا أخمص القدم!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015