ملتقي اهل اللغه (صفحة 5926)

اقتران كلية الشريعة بكلية اللغة العربية

ـ[تألق]ــــــــ[15 - 02 - 2012, 01:12 م]ـ

كتبت هذا المقال قبل أسبوع -تقريبا - ووضعته بين يدي طلاب الشريعة فوجد صدىً طيبا ولله الحمد.

واليوم أضعه بين طلاب اللغة العربية فما عساه أن يكون الصدى؟

البسملة1

اقتران كلية الشريعة وكلية اللغة العربية

لا أحتاج أن أسرد فضائل اللغة العربية لكن أريد أن أبث شيئا من خلجات النفس التي حملتها سنين – أحسبها ليست قليلة – سأذكر قصة ربما تختزل كثيرا مما أريد قوله:

قبل حوالي 11 سنوات كنت طالبة بأحد دور التحفيظ أظنها سنة وفاة الشيخ ابن عثيمين التي شكلت منعطفا قويا في حياتي، في هذه الدار تعقد محاضرات دعوية أسبوعية وكثير من المحاضرات يحملن درجة (د) ولكن ذهلت وصعقت حين سمعت منهن الخطل والخلل في الاستشهاد بالقرآن والحديث فقد كن يقعن في اللحن الجلي، وليس ذلك سهوا بل كان يتكرر بشكل واضح ينبئ عن جهل عظيم بهذه اللغة الكريمة، أيعقل شخص يحمل (د) في الشريعة ويلحن في لغة الشريعة في القرآن والحديث؟! إذن ماذا تعلم في السنوات المنصرمة؟!

وكان لدينا بالتحفيظ صندوق للشكاوى فوضعت فيه ملاحظاتي أنذاك فقرأت المديرة شكواي فقالت وهي في الساحة: هذه صاحبة القلم الأخضر إما أن تأتيني في مكتبي وإلا حاججتها يوم القيامة!!!!

ستعجبون مثلي لا شك، قلت في نفسي: هل أسأت التعبير؟! أم كتبت ما لا يليق سهوا؟!

فدفعني الفضول للذهاب إليها، فلما رأتني قالت: أنتِ! أسألك بالله هل سمعتِ مني لحنا في كتاب الله؟ قلت: لا أقصدك أنت إنما (الدكتورات) المحاضرات!!، قالت: الحمد لله أنه يوجد من يهتم باللغة .... إلخ.

هذه القصة تتكرر بشكل يومي بل حتى في دروس الجامعة المسجلة حين أستمع للمواد التي لا تتعلق باللغة أذهل من حجم الأخطاء اللغوية التي يقع فيها المحاضِر وهو يحمل قبل اسمه (د)!، بل كثير منها اعرضت عن سماعها لأني أشعر باختناق!.

ندخل للب الموضوع:

كلية الشريعة بحاجة إلى اللغة

وكلية اللغة بحاجة إلى الشريعة

هاتان الكليتان كعينين في رأس، فلما فصلتا كان المتخرج من إحداهما كالأعور، والأعور يتخبط كثيرا، فبعض خريجي الشريعة يتخبط في الإلقاء فلا يكاد يحسن قراءة صفحة إلا وفيها من اللحن ما يجعل المستمعين يغشى عليهم، والإملاء لديهم ضعيف ولكم أن تحكموا بأنفسكم، وهذا أقوله عن تجربة واقعية، يكفي أن تسمع لأحد خطب الجمعة في مساجدنا، أيضا ضعف في الادلاء بالحجة إن كان مأخذها لغوي.

وبعض - إن لم يكن كثير- خريجي اللغة لديهم من التخبط في العقيدة وغيرها ما يجعلنا نكبر أربعا!

فلا تتعجبوا من تخبط بعض الأدباء والشعراء والورائيين في كتباتهم لأنهم لا يدرسون من العقيدة إلا رؤوس أقلام فقط، مع دخول الفلسفة لكثير من مقررات اللغة، خاصة في المراحل المتقدمة، ولا يكاد ينتبه لها إلا حاذق في العقيدة.

ألا ترون أن كثيرا ممن يحمل الفكر الليبرالي هم من أهل الأدب واللغة؟!

وما يسمى بالحداثة هو الوجه الليبرالي في الأدب فإنك تجد كتاباتهم غامضة ظلامية لا تدري أي شيء يريدون؟!

والبعض يريد أن يرفع التكليف عن الأدباء ليكتبوا ما شاؤوا فلا يرى تحكيم الدين في الأدب لذا ترى الإلحاد والزندقة باسم الأدب!

فهذا الانفصال نتائجه وخيمة والله.

قوة العلاقة بين الكليتين:

سأضرب مثالا، أصول الفقه أحدُ مستمداته اللغةُ العربية، وكثير من مباحث أصول الفقه ندرسها في البلاغة بشكل أوسع، بيد أن أصول الفقه يبحث في أدلة الأحكام، أما البلاغة فتبحث في كل النصوص، مثال (فضرب الرقاب) أصول الفقه يخبرك بأن المصدر هنا دلالته أمر أي اضربوا. لكن البلاغة تزيد على ذلك بتوضيح الحكمة من استخدام المصدر وعدم استخدام الأمر المباشر، وهذا لا شك يعطيك عمقا في فهم النص وبالتالي دقةً في استنباط الحكم.

نتائج هذا الاقتران المبارك:

نلاحظ على مر التاريخ أن أكثر العلماء الذين أثروا هم من أكثرهم تضلعا باللغة، وهذا أمر بدهي لأنه لا انفصال بين الشريعة واللغة، إنما هذا الانفصال من نتائج الاستعمار (الاستخراب)، ونظرة سريعة على كتب شيخ الإسلام وتلميذه يوقفك على هذا وسأذكر أمثلة معاصرة:

ش/بكر أبو زيد – رحمه الله – فلا أحتاج أن أبين فصاحته وبلاغته.

ش/عبدالكريم الخضير، هو علامة محدث له إسناد متصل بالبخاري وهو ضليع باللغة جدا وله كلمات منثورة في تكرار حثه لطلاب الشريعة بضرورة التفقه في اللغة. ومن أراد أن يعرف منزلته في اللغة فليستمع لبرنامجه الذي وصل عمره 10 سنوات ومازال ولله الحمد "شرح التجريد الصريح" في إذاعة القرآن.

ش/صالح آل الشيخ، أكثر دروسه في العقيدة ومن أراد أن يعرف منزلته في اللغة فليستمع لشرحه للواسطية فكثير من الردود على المخالفين كانت من جهة اللغة.

ش/علي القرني أما هذا الرجل فهو آية من آيات الله في البلاغة والبيان، وصفه البعض بأنه فصيح الحجاز، بحر هائج خاصة إذا هجا أعداء الدين، وهو متميز من جهة أنه يستخدم الصور البيانية في خطبه بشكل يأخذ بالألباب.

المطالب:

أقول مطالب وهي أمنيات في القلب، أتمنى وبشدة أن نرى من طلاب الشريعة من يهتم باللغة العربية كاهتمامه بالشريعة قد يقال: في ذلك مشقة، فأقول: أرأيت صعود القمم كيف يكون؟!

فذاك إذن.

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله // لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ

فطلاب الشريعة اليوم هم علماء الغد

وطلاب العربية اليوم هم أساتذة ومثقفوا الغد.

وندائي موجه بشكل أعمق لطلاب الشريعة أن يبنوا أنفسهم في اللغة قبل التخرج

فلتعلموا أن الشخص قد يكون بيده الحق لكن سوء بيانه يعجزه عن الصدع به، أرأيتم خطباء الخوارج وخطباء المعتزلة كقطري بن الفجاءة، كيف أثروا في أتباعهم والسبب سحر البيان وقوتهم اللغوية.

ففي التوحيد تعتبر اللغة سلاح صارم في دحض شبهات أهل الأهواء.

لا ندري من الذي سيتفضل الله عليه بالجمع بينهما والتضلع منهما فذاكم فضل الله يؤتيه من يشاء.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015