ـ[عائشة]ــــــــ[06 - 10 - 2010, 10:24 م]ـ
قالَ ابنُ الأثيرِ -رحمه الله- في كتابِهِ «الوَشْي المَرْقوم في حَلِّ المنظوم»:
(وحدَّثني [القاضي الفاضل] عبدُ الرَّحيم بنُ عليٍّ البيسانيُّ -رحمه اللهُ- بمدينة دمشق، في سنة ثمان وثمانين وخمس مئة -وكان إذ ذاكَ كاتبَ الدَّولة الصَّلاحيَّة- فقال: كانَ فنُّ الكتابةِ بمصر في زمن الدَّولةِ العلويَّة غضًّا طريًّا، وكان لا يخلو ديوانُ المُكاتباتِ من رأسٍ يرأسُ مكانًا وبيانًا، ويُقيم لسلطانِه بقلمه سُلطانًا. وكان مِنَ العادةِ أنَّ كُلاًّ من أربابِ الدَّواوينِ إذا نشأ له ولدٌ، وشدا شيئًا من عِلْمِ الأدبِ= أحضرَه إلى ديوان المكاتباتِ؛ ليتعلَّمَ فنَّ الكتابةِ، ويتدرَّبَ، ويرَى، ويسمعَ. قال: فأرسلني والدي -وكان إذ ذاك قاضيًا بثغر عَسْقَلان- إلى الدِّيارِ المصريَّةِ، في أيام الحافظِ -وهو أحدُ خلفائها-، وأمرَني بالمصيرِ إلى ديوان المكاتبات. وكان الَّذي يرأسُ به في تلك الأيَّام رجلاً يُقال له «ابنُ الخلاَّل»؛ فلما حضرْتُ الدِّيوان، ومثلتُ بين يديه، وعرَّفْتُهُ مَنْ أنا، وما طَلِبتي؛ رَحَّبَ بي، وسَهَّل، ثمَّ قالَ: ما الَّذي أعددتَّ لفنِّ الكتابةِ مِنَ الآلاتِ? فقلتُ: ليس عندي شيءٌ، سِوَى أنِّي أحفظُ القرآنَ الكريم، وكتابَ «الحَماسةِ»؛ فقالَ: في هذا بلاغٌ! ثمَّ أمرَني بمُلازمتِه. فلمَّا تردَّدتُّ إليه، وتدرَّبْتُ بين يديه؛ أمرَني بعدَ ذلك أنْ أحلَّ شِعْرَ «الحماسةِ»، فحللتُه مِنْ أوَّلِهِ إلى آخرِه، ثُمَّ أمرني أنْ أحلَّه مَرَّةً ثانيةً؛ فحللتُه) انتهى.
[«الوَشْي المَرْقوم في حَلِّ المنظوم» لابن الأثير: 54. وانظر: «وَفَيات الأعيان» لابنِ خَلِّكان: 7/ 219].
ـ[أبو العباس]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 08:25 ص]ـ
سبحان الله!
كنتُ قرأت هذا الكلام من قبل، ثم أردّته فغاب عني موضعه، أخذت على هذا أشهرًا، وحدثتُ فيها من يعلم فلم يعرفه، حتى يئستُ فتناسيتُه، ثم أرسلكِ الله به، فكأنه الماء البارد على الظمأ، والظل الوارف بعد الرمضاء. فجزاك الله خيرا.
ونعم، فهكذا كانوا يتعلمون، ولعلّ ما يحصل في نثر أبيات الحماسة من الدربة والتقويم خير من مقالات أدبيّة يسطرها الإنسان بين الحين والآخر؛ لِمَا في الأُولى من ملازمة الدرس، وإكراهِ النفس على معانٍ محددة.
- ما رأيكم أن نفتتح حديثًا نحلّ فيه أبيات الحماسة؟
ـ[أبو العباس]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 08:50 ص]ـ
فائدة: نثر علي بن محمد بن خلف الهمذاني (ت414هـ) الحماسة وسمّاها (المنثور البهائي) طبعت في مجلد، تحقيق: عبد الرحمن الهليل، مركز سعود البابطين.
ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 11:48 ص]ـ
الأستاذة المتَفَنِّنَة/ عائشة
جزاكِ الله خيراً، على ماتنثلين من الفوائدِ، وتكتبينَ من العِلْمِ، وأنا -واللهِ- أنتفعُ بها، وأدوِّنُ بعضها، ولربَّما أرسلتُها لغيري فطَرِبَ لها.
- ما رأيكم أن نفتتح حديثًا نحلّ فيه أبيات الحماسة؟
أبا العبَّاس، أستاذنا الكريم، أنا سعيدٌ بِكَ.
وما ذكرتَهُ حسنٌ، معَ مُراعاةِ أمورٍ ثلاثةٍ:
- عدمُ قصْدِ ختمِها، بل لو لم نختمها أبداً، فلا ضيرَ.
- أن لا يكتبَ أحدٌ مشارَكَتينِ متتابِعَتَينِ في حلِّ الأبياتِ، لتعمّ المُشاركةُ، وهذا وإن كانَ يُضعِفُ الموضوعَ، فهوَ أنفعُ من وجوهٍ.
- حبَّذا أن يَّذكر من سيفتتح الموضوع -ولستُ بأهلٍ- مُقَدِّمةً عن الموضوعِ تُنبي عنهُ، وعن الجادَّةِ التي ستُسلَكُ فيهِ، والضوابط لذلِكَ، حتَّى نكونَ على بيَّنةٍ من أمرنا.
ـ[عائشة]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 02:45 م]ـ
جزاكمُ اللهُ خيرَ الجزاءِ -أيُّها الكُرَماءُ-.
وفي النَّصِّ الَّذي نقلتُ فوائدُ؛ مِنْها:
1 - أنَّ الكِتابةَ لا بُدَّ لَها مِنْ آلاتٍ، وأدَواتٍ.
2 - أنَّ أوَّل ما تُصْرَفُ إليهِ الهِمَمُ: حِفْظ القُرآنِ الكريمِ. وحِفْظُهُ يَكْسِبُ الكاتِبَ فصاحةَ اللِّسانِ، وحُسْنَ البَيانِ، وقُوَّةَ الحُجَّةِ، والبُرهانِ. وما زالَ الكُتَّابُ، والشُّعراءُ يقتبسونَ مِنْ ألفاظِهِ البديعةِ، وتراكيبِهِ الرَّفيعة؛ فيزدادُ أسلوبُهم إشراقًا، وتألُّقًا.
3 - أنَّ لحِفْظِ الشِّعْرِ قيمةً لدَى مُريدِ البَيانِ، وشادي الأدَبِ. ومِنْ أحسَنِ ما يُحْفَظُ: اختياراتُ أبي تمَّامٍ؛ الَّتي سمَّاها «الحَماسَة». وقد حَظِيَتْ باهتمامِ الأُدباءِ، وتناولَها العُلماءُ بالشَّرْحِ.
4 - أنَّ مِنْ أفضَلِ الطُّرُقِ الَّتي يبدأُ بها المُبتَدِئُ: «حَلَّ المنظومِ»؛ وهو: أَن ينثُرَ الشِّعْرَ بأُسلوبٍ لا يقِلُّ عَنْهُ فَصاحةً، وحُسْنًا.
5 - أنَّ علَى طالبِ البَيانِ أن يُكثِرَ مِنَ التَّدرُّبِ، ويتحلَّى بالصَّبْرِ، والمُثابَرةِ.
والاقتراحُ -الَّذي تَفضَّلَ بهِ الأُستاذُ/ أبو العبَّاسِ- حَسَنٌ، نافِعٌ. معَ الأخذِ بالأُمورِ الَّتي ذَكَرَهَا الأُستاذُ/ الأديبُ الأثريُّ. ولا بُدَّ من مُتابَعةٍ، وتَصحيحٍ، يتولاَّهُما مُشْرِفٌ، أو أكثرُ.
معَ جزيلِ الشُّكْرِ.
¥