ملتقي اهل اللغه (صفحة 5721)

الصمم ..

ـ[سهيل النهدي]ــــــــ[03 - 07 - 2008, 11:15 م]ـ

أصاب أذني قبل يومين التهاب في طبلتها، وأخذ الصممُ الجائرُ يدِبّ في أطرافها دبيبَ الصهباء في الجسد الفاتر، وحلّ السّهادُ العابثُ بالجفن حلولَ الزائر الثقيل، فنبا عن أذني شهيُّ الصوت، وطار من جفني لذيذُ الكرى، وسرت في جسدي رِعْدةُ الحُمّى.

ألحّ الصممُ في أذني حتى تركني كالأصلخ، فأحوجني إلى رفع صوتي عند الحديث، وتحريك يدي كالترجمان، أما الحمى فقد تركتني أنوحُ كالمطوقة هجرها إلفها الأنيس، وأهذي كالثّمِل عصفت برأسه الخَنْدَريس، فاستعنت عليها بعد الله بالماء الفاتر نقعت في نميره جسدي الحرّان، وبضعِ أقراصٍ من (البنادول) سكّنت به رأسي الدوّار، حتى أقلعت حمّاها وباخ فورانها، فأحسست بالعافية ينتشر برَدُها في جسدي اللاغب انتشار الضوء في الأفق الغابر .. وبقي هذا الصمم العنيد رابضاً لا يرحل، واجماً لا ينبس، جاهماً لا يبسم، صامداً لا يلين!

بِتُّ ليلتي أطبّبُ نفسي من هذا الداء العَيَاء بقطراتٍ كصفاء المزن، ودهانٍ كلون القطن، حتى حُسِم الداء، ونجع الدواء، ودبّت العافية، وزار غائبُ الكرى؛ فطرب في أذني كل صوت، وساغ في سمعي كل حديث، وجمل في عيني كل منظر، وشعرت بالأمل الباسم يومض في الوجه العبوس، ودفقة الحياة تسري في الجسد الرميم، ونفحة الخلد تنبثق في الهيكل المقوّض.

لِلَّه .. ما أعظم نعم الرحمن، وأجلّ مننه على الإنسان، أفي مثل لمحة البرق وزورة الطيف، يصبح هذا الدّعيّ الكبير كخيالٍ طاف في فضاء الكون ومضى، وسنا لمع في أفق السماء وقضى! أين ذلك الصوت الجهور الناهق، واللسان الفصيح العاقر، والقلب الغليظ كالصخرة الصمّاء؟!

ما أحوجك يابن الأرض إلى ما يشذّب ناتئ العُجْب فيك، ويهذّب جافي الطبع منك، ويدمّث الخلق السيئ في شمائلك.

وما أجملك ياعافية حين تزورين بعد الداء، وما أبردك يانعيم حين تأتي عقب البؤس، وما أعدلك يارب إذ بلوت بهذه الأدواء. فلولا الداء لم يحمد شفاء، ولولا الهم ما حُمِد السرور.

فاللهم لك الحمد كما ينبغي الحمد لجلال وجهك وعظيم سلطانك ...

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 06:33 م]ـ

شكرَ الله أخي سهيلاً.

هل هذا من مقولِك؟

أبو قصي

ـ[سهيل النهدي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:19 ص]ـ

مرحباً وسهلاً بك أخي أبو قصي، وشكر الله مرور طيفك من هنا ..

للأسف أخي، ما سبق من مقولي، فلعلّني أبحرت بعيداً إلى الحد الذي جعل أخانا الحبيب يسأل عن صاحب المقال؟!

مرورك عطّر المنتدى بالنسيم العبهري العاطر ..

تقبل تحياتي ..

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:36 ص]ـ

إنْ كانَ هذا لكلامًا حسنًا، رشيقًا، كثيرَ الماءِ، أنيقَ الأسلوبِ، مستقيمَ الدِّعامةِ. وإنَّما سألتُ عن قائِلِه لكثرةِ ما نجِدُ من النّقولِ، وقلةِ الابتكارِ؛ فلا شَلَّتْ يداكَ.

أبو قصي

ـ[سهيل النهدي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 09:53 م]ـ

لله ما أرقّ هذه العبارات، وأجلّ تلك الفقرات، التي فاض بها حسّك الأنيق أيها الصديق الرفيق ..

فلقد أشرق جمالها في القلب، وزهى العجب بها في النفس، وأعادت الأمل الباسم إلى الوجه العبوس ..

دمت ريّان الإبداع أيها الجميل ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015