ملتقي اهل اللغه (صفحة 3827)

المقالة الثانية من: إيقاظ الوسنان من زلاّت اللسان (المأتم)

ـ[محمد تبركان]ــــــــ[10 - 05 - 2012, 08:32 م]ـ

1 - المَأْتَمُ: المأتمُ عند العرب النّساءُ يجتمعن في الخير والشّرّ، وعند العامّة: المصيبة، يقولون: كنّا في مأتم فلانٍ، والصّواب: كنّا في مناحَة فلان. هذا ما قرّره الرّازي في مختار الصّحاح (ص4 ع2)،وغيره من أعلام اللّغة، وأئمّة العربية، وإليك جردٌ لبعض تقريراتهم:

قال ابن قتيبة في أدب الكاتب (ص20): (ومن ذلك [ما يضعه النّاس في غير موضعه] المأتم، يذهب النّاس إلى أنّه المصيبة، ويقولون: كنّا في مأتم. وليس كذلك، إنّما المأتمُ النّساءُ يجتمعن في الخير والشرّ، والجمع مآتم. والصّوابُ أن يقولوا: كنّا في مَناحة. وإنّما قيل لها مَناحَة من النّوائح؛ لِتقابلهنّ عند البكاءِ).

وجاء في خير الكلام في التّقصِّي عن أغلاط العوام (ص49): (قال الحريري: يتوهّم أكثر الخاصّة أنّ المأتم مَجمع المَناحة. وهي عند العرب النّساء يجتمعن في الخير والشرّ. وفي القاموس: المأتم كلّ مجتمع في حزنٍ أو فرحٍ، أو خاصّ بالنّساء، أو بالشّوابّ. وفي الصّحاح: وعند العامّة: المصيبة ...).

وفي المُغرب في ترتيب المعرب (1/ 25): (المأتم عند العرب النّساء يجتمعن في فرح أو حزن، والجمع: المآتم، وعند العامّة: المصيبة، والنّياحة. يقال: كنّا في مأتم بني فلانٍ. قال ابن الأنباري: هذا غلط، وإنّما الصّوابُ: في مَناحة بني فلان، وأُنشد لأبي العطاء السِّندي في الحزن:

عَشِيَّةَ قامَ النّائحاتُ وشُقِّقَتْ * جُيوبٌ بأيدي مَأْتَمٍ وخُدودُ

ولابن مُقبل في الفرح:

ومأتمٍ كالدُّمى حُورٍ مَدامعُها * لم تَيأسِ العيشَ أبكارًا ولا عُونا

وفي التّوقيف على مهمّات التّعاريف (1/ 631 - 632): (المأتم مَفْعَلٌ من الأَتْم، اجتماعُ النّساء في فرحٍ أو حزنٍ على اقتران حَدَث بزمان قبل زمانك).

وفي فقه اللّغة للثعالبي (ص190): ([فصل في تفصيل أمكنة للنّاس مختلفة] ... المأتم مكان اجتماع النّساء)، كذا بإطلاق من غير تقييد، وعلى الاستعمال الصّحيح ورد في كامل المبرّد (1/ 533) قال: (وحُدِّثتُ عن سعد بن مصعب ابن الزّبير اتُّهم بامرأة في ليلة مَناحة أو عرس ...).

وبعد هذا البيان، فليس مع الذين خصُّوا استعمال لفظ " المأتم " في الحزن إلاّ غلبة الاستعمال، وتلك حجّة قاصرة، لا تقوى على تغيير سَنن العرب في الكلام؛ وبهذا يُفسَّر سكوت المعجم الوسيط (ص4)!، وخلُص العدناني في معجم الأخطاء الشّائعة (ص21) إلى القول: (... وأنا أُوثِر استعمالَه في الحزن)، قال هذا، بعد قوله: (والصّوابُ أن يُطلقَ على النّساء يجتمعن في الخير والشّر)!!، وأمّا عَصرِيُّه نسيم نصر فقد قال في أخطاء ألفناها (ص150): (... ولكن يبقى القول: كنّا في مَناحةٍ على فلانٍ، أقرب إلى الصّواب من القول: كنّا في مأتم على فلان ...).

ولك أن تراجع:

1 - تاج العروس (8/ 179).

2 - النّهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 21، 4/ 288).

3 - لسان العرب (12/ 3 - 4).

4 - أساس البلاغة (ص2).

5 - القاموس المحيط (1/ 1388).

6 - تصحيح التّصحيف وتحرير والتّحريف (ص459 رقم 1501).

7 - نصوص في فقه اللّغة العربية (2/ 227 - 230).

يتبع / وكتب: محمد تبركان

-------------------------------------------

(*) شرح لفظة (الوَسْنان): الوَسْنان بمعنى النَّعْسان، وزنًا ومعنًى، قاله في لسان العرب، فقد جاء فيه (13/ 449 وسن): (قال الله تعالى:" لا تأْخذه سِنَةٌ ولا نومٌ، أَي لا يأْخذه نُعاسٌ، ولا نومٌ، وتأْويلُه: أَنّه لا يَغْفُل عن تدبير أَمر الخلق، تعالى وتَقَدَّسَ. والسِّنَةُ النُّعَاسُ من غير نومٍ، ورجلٌ وَسْنانُ ونَعْسانُ بمعنى واحدٍ، والسِّنَةُ نُعاسٌ يبدأُ في الرّأْس، فإِذا صار إِلى القلب فهو نومٌ، وفي الحديث:" وتُوقِظ الوَسْنانَ "،أَي النّائمَ الّذي ليس بمُسْتَغْرِقٍ في نومه، والوَسَنُ: أَوّل النّوم ... [قال] ابن سِيده: السِّنَةُ والوَسْنَةُ والوَسَنُ ثَقْلَةُ النّوم، وقيل: النُّعاس، وهو أَوّل النّوم. ... ووَسِنَ فلانٌ إِذا أَخذته سِنَةُ النُّعاس ... وامرأَة وَسْنَى ووَسْنانةٌ فاترة الطَّرْفِ، شبّهت بالمرأَة الوَسْنَى من النّوم، وقال [عديّ] ابن الرِّقاعِ:

وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرنَّقَتْ * في عَيْنهِ سِنَةٌ وليس بنائِمِ

ففرّق بين السِّنَةِ والنّومِ، كما ترى. ووَسِنَ الرّجلُ يَوْسَنُ وَسَناً، وسِنَةً، إِذا نامَ نومةً خفيفةً فهو وَسِنٌ).

وجاء في المغرب في ترتيب المعرب (5/ 492 الْيَاءُ مَعَ الْقَافِ): ("ي ق ظ ": الْيَقَظَةُ بِفَتْحَتَيْنِ لَا غَيْرُ، خِلَافُ النَّوْمِ، وَأَيْقَظَ الْوَسْنَانَ، نَبَّهَهُ).

قال ذو الرّمّة:

تَرمي بهِ القَفْرَ بعدَ القَفْرِ ناجيةٌ ** هَوْجاءُ راكبُها وَسْنانُ مسمومُ

وقال أيضا:

حذاراً على وَسْنانَ يَصرَعُهُ الكَرى ** بِكُلِّ مَقِيلٍ عَنْ ضِعَافٍ فَوَاتِرِ

وقال ابن المعتزّ:

والرِّيحُ تَجْذِبُ أطرافَ الرِّداءِ كما ... أَفْضى الشَّفيقُ إلى تَنبيهِ وَسْنانِ

وقال عروة بن أُذينَة:

وَسْنان خَرَّ مِن النُّعاسِ كأنّما ** أُسْقِيَ المدامةَ لا يَرُدُّ فِضالَها

وفي صحيح أبي داود (5/ 74 رقم 1200/ 315 - باب رفع الصّوت بالقراءة في صلاة اللّيل): (عن أبي قتادة [رضي الله عنه]: أنّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج ليلةً؛ فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلِّي يخفض من صوته. قال: ومرَّ بعمر بن الخطّاب وهو يصلي رافعاً صوته. قال: فلمّا اجتمعا عند النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يا أبا بكر!،مَرَرْتُ بك وأنت تصلِّي تخفِضُ صوتَكَ؟! ".قال: قد أسْمَعْتُ من ناجيتُ يا رسول الله!.قال: وقال لعمرَ:" مَرَرْتُ بك وأنت تصلّي رافعاً صوتك؟! ".قال: فقال: يا رسول الله!،أُوقِظُ الوَسْنَانَ، وأطرُدُ الشّيطانَ!،فقال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يا أبا بكر!، ارفع من صوتك شيئاً ".وقال لعمر: " اخفض من صوتك شيئاً ".قلت [الألبانيّ]: إسناده صحيحٌ على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبيّ، وصحّحه ابن حِبّان أيضا).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015