ـ[خالد العاشري]ــــــــ[03 - 03 - 2014, 11:35 ص]ـ
يقول الناس: بين هذا وذاك فرق شاسع، ويعنون أن بينهما بونا كبيرا واسعا، ولا يفهمون من اللفظة غير هذا المعنى، وتلفي الصحفيين يكادون يقصرونها عليه في استعمالهم، ولو قلت لهم: أنا رجل شاسع الدار، لفهموا من كلامك أنك تصفها لهم بالسعة والكبر، وما تعني غير أنك بعيد الدار نائيها.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة:
-شسع المكان: اتَّسع وبعدت أطرافُه: -بلاد شاسعة بعيدة- سهل شاسع- مسافة شاسعة.
-شاسع الأرجاء: مترامي الأطراف، فرق شاسع- بون شاسع: كبير.
فقرروا أن كلمة شاسع تأتي بمعنى الاتساع والكبر- باعتبار ما شاع في استعمال الناس-وقد استعملوها بمعنى الواسع في أمثلة عديدة من هذا المعجم.
بينما لا نجد هذا المعنى في المعاجم القديمة، ونجد الفعل شسع يستعمل في الدلالة على البعد
ففي تاج العروس-ملخصا-:
الشِّسع قِبَال النعل، وهو أحد سيورها، والشسع طرف المكان وما ضاق من الأرض والبقية من المال- (وشَسِيعُ مالٍ لغةٌ في شِسْع مال) - ويطلق أيضا على جُلِّه وأكثره؛ فكأنه من الأضداد.
ورجل شِسْع مال إذا كان حسن القيام عليه.
ويقال شَسِع المنزل، أي: بعد، وشاسع الدار بعيدها، وكل شيء نأى وشخص فقد شسِع، وشَسَع النعلَ جعل لها شِسْعا، وشسِعت النعلُ انقطع شِسعها، وشَسِع الرجلُ انقطع شِسعه، وشسِع بعض أعضائه من الثوب نتأ، وشسِع الفرسُ صار بين ثنيته ورباعيته انفراج، وهو من البعد.
وهكذا لا نجد في اللسان، ولا في الصحاح، ولا في الجمهرة، ولا في المحكم، ولا في المخصص، غيرَ ما سلف من المعاني المذكورة في التاج، وليس بينها ذلك المعنى الشائع المتداول.
وفي المعجمين الوسيط والوجيز، والمختار من صحاح اللغة، لم يذكروا أن من معاني الشاسع: الواسع الكبير، وهي معاجم عصرية حديثة، مما يغلب على الظن أن ما شاع في استعمال الناس اليوم لا يعرف عن العرب الفصحاء.
ولست هنا أقرر وأنفي، بل أنا سائل مسترشد، بحثت في معاجمنا الحبيبة، فلم أجد هذا المعنى الشائع المتداول، ووجدتهم ينقلون أن الشِّسع من الأرض هو ما ضاق منها، بينما نحن نقول على الأرض الواسعة: إنها أرض شاسعة، فهم يستعملونها بمعنى الضيق، ونستعملها نحن بمعنى السعة، كما أنني أفهم من قول القائل فرق شاسع قريبا مما أفهمه من قوله شقاق بعيد.
ولست أدّعي أن المعاجم أحاطت بكل معنى قالته العرب، وأن كل ما نقل فيها دقيق في الإبانة عما كان يعتمل في نفوسهم من تلك المعاني، وربما كان استعمال الناس للشاسع بمعنى الواسع هو من قبيل المجاز أخذوه من قولهم شسِع الفرسُ: صار بين ثنيته ورباعيته انفراج، وهو من البعد؛ فمن ثمة قالوا عن المكان الواسع المترامي الأطراف: شاسع؛ كما قال صاحب معجم اللغة العربية المعاصرة.
فهلا تفضل علينا أهل اللغة في ملتقاهم؛ فينيروا لنا بصائرنا، ويبددوا عنا حيرتنا، ويزيحوا عنا غشاوتنا، فيبينوا لنا إن كان الذي شاع في استعمال الناس اليوم لهذه الكلمة خطأ محضا، أو صوابا محضا، أو توسعا في الكلام من قبيل المجاز ولهم منا أعبق التحايا، ومن الله أجزل العطايا.
ـ[ابو عبد الأكرم]ــــــــ[04 - 03 - 2014, 12:39 م]ـ
هذا ما جمعته لك اخي لعله يفيدك
((قال الثعالبي (المتوفى429هـ) في فقه اللغة ج1ص212))
الفصل الخامس {في تَقْسِيمِ الوَصْفِ بالبُعْدِ}
مَكانٌ سَحيقٌ. فَجّ عَمِيقٌ. رَجْعٌ بَعِيدٌ. دَاد نَازِحَة. شَأْوٌ مُغرِّب. نَوىً شَطونٌ. سَفَر شَاسِع. بَلَد طَرُوح.
((قال الازهري (المتوفى 370هـ) صاحب تهذيب اللغة))
قَالَ: والشاسع: الْمَكَان الْبعيد
((قال صاحب قاموس المحيط الفيروزابادي (المتوفى 817هـ) ج1ص733))
وشَسَعَ المَنْزِلُ، كمنَع، شَسْعاً وشُسوعاً: بَعُدَ، فهو شاسِعٌ وشَسوعٌ، ج: شُسْعٌ، بالضم
((قال صاحب تاج العروس المرتضى الزبيدي (المتوفى1205هـ)))
ج21ص272
وَشَسَعَ المَنزِلُ، كَمَنَعَ، شَسْعَاً وشُسوعاً: بَعُدَ، فَهُوَ شاسِعٌ، وشَسُوعٌ، كصَبورٍ، ج: شُسْعٌ، بالضَّمّ، وَمِنْه: سَفَرٌ شاسِعٌ، وَفِي حديثِ ابنِ مَكْتُوم: إنِّي رجلٌ شاسِعُ الدارِ، أَي بَعيدُها.
((قال صاحب الشافية *الفية ابن مالك*في شافيته))
فمعظم الفن بها مضبوط ... والقول في أبوابها مبسوط
وكم بها من شاسع تقربا ... ومن عويص انجلى مهذبا
((ديوان لبيد بن ربيعة العامري ج1 ص 7))
وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصدّ عنا وجهه.
فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول محضّ لا يلتفت إليه النعمان أبداً؟ فقالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم. قالوا: فإنا نبلوك.
قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة؟ فقال: هذه التربة التي لا تذكي ناراً، ولا تؤهل داراً، ولا تسرّ جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، وأقبح البقول مرعىً، وأقصرعا فرعاً، وأشدّها قلعاً، بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فالقوا بي أخا عَبْس، أردّه عنك بتعس، وأتركه من أمره في لَبْس.
قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا.
قال المتنبي
يممت شاسع دارهم عن نيةٍ ... إن لمحب على البعاد يزور
((شرح ديوان المتنبي للواحدي))
¥