ملتقي اهل اللغه (صفحة 3445)

رأي فيما يشتهر بالضرورات الشعرية لابن دريد

ـ[فريد البيدق]ــــــــ[20 - 03 - 2010, 10:34 ص]ـ

باب ما أجروه على الغلط فجاءوا به في أشعارهم

قال النابغة:

وكُلُّ صَمُوتٍ نَثْلَةٍ تُبَّعيّةٍ ... ونَسْجُ سُليمٍ كل قَضّاءَ ذائلِ

أراد سليمان. القَضّاء: الخشِنة التي لم تَمْرُن بعد؛ وذائل: ذات ذيل؛ ونَثْلة من قولهم: نَثَلَها عليه، إذا لبسها. وقال الآخر:

مِن نَسْج داودَ أبي سلاّم

أي أبي سليمان. وقال الحطيئة:

فيه الرِّماحُ وفيه كلُّ سابغةٍ ... جدلاءَ مُحْكَمَةٍ من صنْع سَلاّم

يريد سليمان. جُدلت حَلَقُها، أي فُتلت، والجَدْل: الفتل. والماذيّ: العسل الرقيق الصافي، ثم جعلوا الدُّروع ماذيَّة لصفائها.

ومما حرّفوا فيه الاسم عن جهته أيضاً قول دُريد بن الصِّمَّة:

إن تُنْسِنا الأيامُ والعصرُ تَعْلموا ... بني قاربٍ أنّا غضابٌ لمَعْبَدِ

أراد عبد الله، ويَدُلّك على ذلك قوله في هذه القصيدة:

تنادَوا فقالوا أَرْدَتِ الخيلُ فارساً ... فقلتُ أعبدُ الله ذَلِكُمُ الرَّدي

وقال الآخر:

وسائلةٍ بثعلبةَ بنِ سَيْرٍ ... وقد عَلِقَتْ بثعلبةَ العَلوقُ

أراد ثعلبة بن سيّار، العَلوق: المنيّة. قال أبو بكر: ثعلبة عِجْليّ، وهو صاحب قُبّة ذي قار.

وقال الآخر:

والشيخُ عثمانُ أبو عَفّانِ

يريد عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه.

وقال الآخر:

فهل لكم فيها إليّ فإنني ... طَبيبُ بما أعْيا النِّطاسيَّ حِذْيَما

يريد ابن حِذْيَم.

وقال الآخر:

عشيّةَ فرَّ الحارثيّون بعدما ... هَوى بين أطراف الأسنّة هَوْبَرُ

يريد يزيد بن هَوْبَر.

وقال الآخر:

صَبَّحْنَ من كاظمةَ الحِصْنَ الخَرِبْ

يَحْمِلْنَ عبّاسَ بن عبد المُطَّلِبْ

يريد عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما.

وقال زهير:

فتُنْتَجْ لكم غِلمانَ أشْأمَ كلُّهم ... كأحمرِ عادٍ ثم تُرْضِعْ فتَفْطِمِ

وإنما أراد كأحمر ثمود.

وقال الآخر:

وشُعْبتا ميسٍ بَراها إسكافْ

فجعل النجّار إسكافَاً.

وقال الآخر:

ومِحْوَرٍ اخْلِصَ من ماء اليَلَبْ

فظنّ أن اليَلَب حديد، وإنما اليَلَب سُيور تُنسج فتُلبس في الحرب.

وقال الراجز:

كأنه سِبْط من الأسباطِ

فظنّ أن السِّبط رجل، وإنما السِّبط واحد الأسباط من بني يعقوب عليه السلام.

والزِّبْرِج: النقش، ثم سمّاه الراجز السحاب لاختلاف ألوانه فقال:

سَفْرَ الشمالِ الزِّبْرِجَ المُزَبْرَجا

وقال ابن أحمر يصف جارية غِرّة:

لم تَدْرِ ما نَسْجُ اليَرَنْدَج قبلَها ... ودِراسُ أعْوَصَ دارسٍ متخددِ

ظنّ أن اليَرَنْدَج يُنسج، وإنما هو جلد يُصبغ. وقال بعض أهل العلم: إن هذه المرأة لغِرّتها وقلّة تجاربها ظنّت أن اليَرَنْدَج منسوج، وإنما هو جلد. قال أبو بكر: قوله في البيت: دِراس، يريد مدارَسة؛ والأعَوْص: الذي قد أُعْوِصَ من الكلام، أي عُدل به عن جهته. وقال: هو دارس متخدِّد، أي خَلَقُ ليس هو على نظام.

وسمّوا هذا الفَرْش الذي يسمّى السُّوسِنْجَرْد: العَبْقريّ، وعَبْقَر: أرض يزعمون أنها من بلاد الجنّ، فلما لم يعرفوا كيف صفة تلك الثياب نسبوها إلى الجنّ.

وقال الآخر:

لو سَمِعَ الفيلُ بأرض سابِجا

لدقَّ عُنْقَ الفيل والدَّوارجا

السَّيابِجة: قوم من الهند يُستأجرون ليقاتلوا في السُّفن كالمُبَذْرِقة، فظنّ هذا أن كل أهل الهند سَيابِج.

وقال الآخر:

لمّا تخايلتِ الحُمولُ حَسِبْتُها ... دَوْماً بأيْلَةَ ناعماً مكموما

الدَّوم: شجر المُقْل؛ والمكموم لا يكون إلاّ النخل، فظن أن الدَّوم نخل.

وقال آخر يصف دُرَّة:

فجاء بها ما شئتَ من لَطَميّةٍ ... يدوم الفُراتُ فوقها ويَموجُ

فجعل الدُّرّة في الماء العذب، وإنما تكون في الماء المِلح. قوله: يدوم الفرات، أي يدوم الماء، أي يثبت، من قولهم: الماء الدائم.

وقال زهير يصف الضفادع:

يَخْرُجن من شَرَباتٍ ماؤها طَحِلٌ ... على الجذوع يَخَفْنَ الهَمِّ والغَرَقا

والضفادع لا يَخْفَن الغرق. قوله: الشَّرَبات: حُفَر تُحفر حول النخل يُصَبّ فيها الماء لتشرب، والطَّحِل: الذي فيه الطّحْلُب.

وقال آخر:

نَفُضُّ أُمَّ الهام والتَّرائكا

الترائك: بَيض النعام، فظنّ أن البَيض كلَّه تَرائك.

وقال الآخر:

بَرِيّة لم تأكل المرقَّقا

ولم تَذُقْ من البقول فُسْتُقا

فظنّ أن الفستق بقل.

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[20 - 03 - 2010, 05:33 م]ـ

لمَّا قرأتُ قولَه:

(برِيّة لم تأكل المرقَّقا

ولم تَذُقْ من البقول فُستُقا)

تذكَّرتُ أني كنتُ قرأتُ لبعضِ العلماء روايةً أخرَى لهذا البيت تدفعُ الخطأ عن الراجز، فحاولتُ أن أستدعيَها، فذكرتُ أنَّها في (فرحة الأديب) لأبي محمدٍ الأعرابي، المعروف بالأسود الغندجانيِّ، قالَ:

(صحَّف ابن السيرافيِّ في البيت الذي استشهد به، فجعل النقول وهي بالنون البقولَ بالباء، لأجل ما يقول هو وغيره أن أبا نخيلة توهم أن الفستق من البقول. ولم يكن أبو نخيلة من مَّن لا يعرف الفستق، فقد عرفه من هو أقدم منه وهو أبو القمقام بن مصعب الأسدي.

وإنما معنى قول أبي نخيلة: أن هذه المرأة البدوية لا تأكل الرقاق، ولا تتنقل بالفستق متاع الحضريات، إنما تغذى بألبان اللقاح المحض والقارص، كما قال بشر:

غذاها قارصٌ يجري عليها ... ومحضٌ حيث تنبعث العشار).

قلتُ:

وهذا تحاملٌ على ابن السيرافيِّ، فإن ابنَ قتيبةَ -وهو متوفًّى قبلَه بنحو مئةِ سنةٍ- قد رَواها بالباء أيضًا. وذلكَ في (الشعر والشعراء). ومثلُه أبو حنيفة الدينوريّ في كتاب (النبات). وليس هذا من مَّا ابتدعَه ابن السيرافيِّ. أمَّا الرواية التي زعمَها الغندجاني هي الصوابَ، فلم يَنمِها إلى أحدٍ يعوَّل عليه من الرُّواةِ. ولعلَّ أوَّل من أشارَ إليها أبو نصرٍ الجوهريُّ في (الصحاح)، فإنه ذكرَ رواية الباء، وقال: (هكذا يُروى بالباء. وأنا أظنُّه بالنون، لأن الفستق من النقل، وليس من البقل). وهو ظَنٌّ مُجَرَّدٌ لا حُجَّة له من السَّماع. وقد تُخطئ الأعرابُ بأشدَّ من هذا. على أن بعضَ العلماءِ خرَّج هذا البيت بأن جعل (مِن) هنا بمعنى (بدل)، أي: لم تذق بدلَ البقولِ الفستقا.

وهذا مثالٌ واحدٌ يبيِّن مبلغَ تحاملِ الغندجانيِّ على ابن السيرافيِّ في أمرٍ كانَ الصوابُ فيه معَه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015