عَيْبٌ من عُيُوبِ القَافِيَةِ؛ لاخْتلَافِ الرِّدفِ مَدًّا وَلينًا، أَوْ قُلْ لِاخْتِلَافِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَ الرِّدْفِ، وَقَدْ أصْلَحَه بعْضُ المغَاربةِ كَمَا نقلَ بَعْضُ الْإِخْوَةِ فِي الْمَجْلِس الْعِلْمِيِّ، فَقَالَ:

لَعَلَّ قَدْ جَرَّ بِهَا عُقَيْلُ * وَ (لَوْلَا) قَدْ جَرَّ بها هُذَيْلُ

لَكِنَّ بَيْتَهُ قَدْ جَاءَ ـ كَما تَرَوْنَ ـ غَيْرَ مَوزُونٍ إلِّا إِذَا حَذَفْنا الْأَلِفَ مِنْ كَلِمَةِ: لَوْلَا، ولَا أدْري مِنْ أيْنَ جَاءَ الْخَطَأُ مِنَ النَّاقِلِ أَمْ مِنَ النَّاظِمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْمَغْرِبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ حيًّا ومَيتًا ـ:

لَعَلَّ قَدْ جَرَّ بها عُقَيْلُ ... ثُمَّ بِـ (لَوْلَا) خَفَضَتْ هُذَيْلُ

لَصّحَّ له ذلِكَ، واسْتقامَ الْوَزْنُ، وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيهِ أَنَّ السِّنَادَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِمَّا يُبَاحُ لِلْمُوَلَّدِين.

وأخيرًا أَوَدُّ أَنْ أُشِيرَ إِلَى عِدَّةِ أَشْيَاء:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّيْخَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ كَكَثيرٍ مِنَ النَّاظِمِينَ ضَمَّنَ قَصِيدتَهُ بَيْتًا مِنْ بَحْرِ السَّريعِ، وَهُوَ:

وَمُوجِزًا قُلْ عَاطِفٌ وَمَعْطُوفْ ... إِذْ جِئْنَ وَالْقَصْدُ بِهِنَّ مَعْرُوفْ

وقد حاولتُ أنْ أرده بحذفٍ أو زيادةٍ إلى الرَّجزِ، فلم أفلح إلا إذا قلتُ:

وَمُوجِزًا قُلْ عَاطِفٌ وَما عُطِفْ ... إِذْ جِئْنَ وَالْقَصْدُ بِهِنَّ قَدْ عُرِفْ

وبهذا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ رَجَزًا.

الثَّانِي: فِي قَوْلِهِ:

وَوَاوَيِ الْجَمْعِ وَمَفْعُولٍ مَعَهْ ... تَالِيهِمَا انْصِبْهُ كَزُرْتُ وَالسَّعَهْ

تكلَّفَ بعْضُهُمْ في توْجِيهِ نَصْبِ كَلِمَةِ: (واوي) فقَالَ: نُصِبَتْ على الاشْتِغالِ، والتَّقْدِيرُ: انْصِبْ تاليَ واوي ثُمَّ ............................... ثُمَّ .............................................. الخ

وأَرَى أنَّه لَوْ قَالَ:

وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ وَمَفْعُولٍ مَعَهْ ... تَالِيهِمَا انْصِبْهُ كَزُرْتُ وَالسَّعَهْ

لصَحَّ القولُ بعِيدًا عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ أو التأويل.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ:

مَوْصُوفَةٌ كَمَا بِهَا قَدْ وُصِفَا ... وَقِيلَ ذِي حَرْفٌ مَحَلُّهَا انْتَفَى

في الْأَصْلِ:

وَصِفَةٌ كَمَا بِهَا قَدْ وُصِفَا ... وَقِيلَ ذِي حَرْفٌ مَحَلُّهَا انْتَفَى

تأملتُ البَيتَ فَوَجدْتُ قَوْلَهُ: (كَمَا بِهَا قَدْ وُصِفَا) يشِيرُ إلى مَجِيئِها صِفةً، وبِهَذا يكُونُ قوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ (وَصِفَة) لَغْوًا، وَبِالْبَحْثِ وَجَدْتُ أَنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي يُبَيِّنُ الزَّوَاوِيُّ مَعَانيَها تَكُونُ صِفَةً وَمَوْصُوفةً فَقُلْتُ لَعَلَّ النُّسَّاخَ حَرَّفُوا الْبَيْتَ، فَأصْلَحْتُه كَمَا أثْبَتُّ، واللهُ أعْلَمُ.

ـ وَهَكَذَا عَدَّلْتُ كَلِمَةَ: (جَوَاب) إِلَى: (إِيجَاب) فِي قَوْلِهِ:

حَرْفُ أَجَلْ تَصْدِيقُ إِخْبَارٍ جَلَا ... حَرْفُ بَلَى إِيجَابُ نَفْيٍ مُسْجَلَا

ـ وَفِي قَوْلِهِ:

وَاخْتَصَّ ذَا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ ... وَذُو الْمُفَاجَأَةِ بِالْإِسْمِيَّةِ

وَجَدْتُ كَلِمَةَ: (ذُو) فِي الْأَصْلِ الَّذِي أَنْقُلُ مِنْهُ (ذا)، فَقُلْتُ إِنَّ ذَا الْأُولَى اسْمُ إِشَارَةٍ يُشِيرُ إِلَى إِذَا، وَ (ذَا) الثَّانِيَة مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْأُولَى لَكِنَّهَا لَيْسَتْ (ذَا) الْإِشَارِيَّةَ، وَإِنَّمَا هِيَ (ذَا) الَّتِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ، وَهَذِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ السِّتَّةِ، فَرَفَعْتُهَا بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى (ذَا) الَّتِي مَحَلُّهَا الرَّفْعُ.

ـ وَثَمَّةَ كَلِمَتَانِ أَبْدَيْتُ رَأَيِي فِيهِمَا فِي مُشَارَكَتِي فِي مُنَازَعَةِ أَخِينَا مُحَمَّدٍ لِمَتْنِ الزَّوَاوِيِّ، وَهُمَا:

1 ـ كَلِمَةُ: خَفَى فِي قَوْلِهِ:

فَلَاحَ لَلْأَذْهَانِ مَعْنَى مَا خَفَى ... مِنَ الْكِتَابِ وَحَدِيثِ الْمُصْطَفَى

2 ـ كَلِمَةُ: مُوجَزِ فِي قَوْلِهِ:

وَقَدْ حَصَرْتُ بِطَرِيقِ الرَّجَزِ ... قَوَاعِدَ الْإِعْرَابِ حَصْرَ مُوجَزِ

واعْلَمُوا ـ يَا إِخْوَانِي ـ أَنِّي لَا أَدْرِي لِمَاذَا لَمْ يَرُقْ لِي هَذَا النَّظْمُ، وَلَمْ أَضْبِطْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَافَقَ رَغْبَةً عِنْدِي، وإنما دُفعْتُ إليْهِ دفعًا، وَلَعَلَّ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى كَثْرَةِ مَا شَابَهُ مِنْ غُمُوضٍ وَتعَقِيدٍ، وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ حتَّى عُدَّتْ بَعْضُ أبياتِهِ إِشَارَاتٍ وَألْغَازًا، انْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ:

حرف خطاب بعد ذا الكاف وأل ... تاليه نعت أو بيان أو بدل

وَقُلْ لِي مَاذَا تَفْهَمُ مِنْهُ، أَتَدْرِي مَاذَا يِقْصِدُ؟ إِنَّهُ يَقْصِدُ أَنَّ الْكَافَ يَكُونُ حَرْفَ خِطَابٍ بَعْدَ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ، وَأَنَّ الِاسْمَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ يُعْرَبُ نَعْتًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ بَدَلًا.

هَذَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ، وَالسَّلَام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015