ـ[د. أبو أسامة]ــــــــ[04 - 06 - 2008, 01:47 ص]ـ
البلاغة في المعاني وليست في الألفاظ
ليست الفصاحة والبلاغة للألفاظ، وإنما في المعاني أيأنَّ المزيَّةَ التي مِنْ أجْلِها استَحَقَّ اللفظُ الوصفَ بأنه فصيحٌ، عائدةٌ في الحقيقةِ إلى معناه.
ولو قيل إنها تكونُ فيه، دونَ معناهُ لكان ينبغي إذا قلنا في اللفظة إنها فصيحةٌ أن تكونَ تلك الفصاحةُ واجبةً لها بكلِّ حالٍ، ومعلومٌ أن الأمْرَ بخلافِ ذلك؛ فإنَّا نَرى اللفظةَ تكونُ في غاية الفصاحةِ في موضعٍ ونَراها بِعَيْنِها، فيما لا يُحْصى من المواضِع، وليس فيه مِن الفصاحةِ قليلٌ ولا كثيرٌ ....
إذن الفصاحَة ليست لِلْفَظةٍ مقطوعةٍ مرفوعةٍ من الكلام الذي هي فيه، ولكنَّا نُوجِبُها لها موصولةً بغيرها، ومعلَّقاً معناها بمعنى ما يَليها، فإذا قلنا في لفظه "اشتعل" مِنْ قولِه تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيَبْاً} [مريم: 4]: إنها في أعلى المرتبةِ من الفصاحة، لم نُوجِبْ تلك الفصاحةَ لها وحَدْها، ولكِنْ موصولاً بها "الرأس" معرَّفاً (بالألف واللام) ومَقْروناً إليهما (الشيبُ) منكَّراً منصوباً. هذا وإنما يقعُ ذلك في الوهم لِمَنْ يَقَعُ له - أعني أن تُوجَبَ الفصاحةُ للَّفظةِ وحدها - فيما كان استعارةً، فأمَّا ما خَلاَ من الاستعارةِ من الكلامِ الفصيح البليغ، فلا يَعْرِض توهُّمُ ذلك فيه لعاقلٍ أصْلاً.
أفلا تَرَى أنه لا يقَعُ في نفس من يَعْقِلُ أدنى شيء إذا هو نظَرَ إلى قوله عزَّ وجلَّ {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ?لْعَدُوُّ فَ?حْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4]، وإلى إكبار الناس شأنَ هذه الآيةِ في الفصاحة أن يضَعَ يدَهُ على كلمةٍ كلمةٍ منها، فيقولَ إنها فصيحة؟
كيفَ وسبَبُ الفصاحةِ فيها أمورٌ لا يَشُكُّ عاقلٌ في أنها معنويَّةٌ:
(أوَّلُها) أنْ كانت "على" فيها متعلقةً بمحذوفٍ في موضِع المفعول الثاني.
(والثاني) أنْ كانت الجملةُ التي هي "هُم العدوُّ" بعْدَها عاريةً من حرفِ عطفٍ.
(والثالث) التعريفُ في (العدوِّ) وأنْ لم يقل: هُمْ عدوٌّ. ولو أنك علَّقْتَ "على" بظاهرٍ، وأدخلْتَ على الجملة التي هي "هم العدوُّ" حرفَ عطْفٍ، وأسقطْتَ (الألف واللام) من "العدو"، فَقُلْتَ: (يحسَبُون كلَّ صيحةٍ واقعةً عليه، وهُمْ عدوٌّ): لرأيتَ الفصاحةَ قد ذهبَتْ عنها بأسْرها. ولو أنك أخْطَرْتَ ببالِكَ أنْ يكونَ "عليهم" متعلِّقاً بنَفْس الصيحة، ويكونَ حالُه معها كحالِه إذا قلت: (صحْتُ عليه): لأخرجْتَه عن أنْ يكون كلاماً، فضْلاً عن أن يكونَ فصيحاً. وهذا هو الفَيْصَلُ لِمَنْ عَقَلَ. ومِنَ العجيب في هذا ما رُويَ: عن أمير المؤمنين عليِّ رضوانُ اللهُ عليه أنه قال (ما سَمِعتُ كلمةً عربيةً مِن العَربِ إلاَّ وسمعْتُها من رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، وسمِعْتُه يقول "مات حتْفَ أنفِهِ". وما سمعتها من عَربيٍّ قبله.
لا شُبْهَةَ في أنَّ وصْفَ اللفظِ بالعربيّ في مثْلِ هذا، يكون في معنى الوصْف بأنه فصيحٌ، وإذا كانَ الأمرُ كذلك، فانظُرْ: هل يَقَعُ في وهْم مُتوهِّم أنْ يكونَ رضيَ اللهُ عنه قد جعَلَها عربيةً مِنْ أجْل ألفاظِها؟ وإذا نظرْتَ لم تَشُكَّ في ذلك. اهـ
دلائل الإعجاز في علم المعاني / عبد القاهر الجرجاني / تحرير القول في الإعجاز والفصاحة والبلاغة) ضمن العنوان (فساد الذوق والكلام ممن ظنوا أنّ الفصاحة والبلاغة للألفاظ).
ـ[ضرغام]ــــــــ[18 - 06 - 2008, 04:40 ص]ـ
الألفاظ هي القوالب التي تُصب فيها المعاني،والمعنى السامي يُبتذل إذا صُب في لفظ مبتذل
فلابد من سمو المعنى واللفظ معاً. فلا غرو أن يكون هناك إعجاز لفظي في القرآن الكريم وخاصة أن اللغة العربية وما بها من ظاهرة الترادف تجعلك تقف أمام آية ما وتسأل نفسك لماذا هذا اللفظ دون ذلك رغم أنه يرادفه؟
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[27 - 06 - 2008, 09:58 م]ـ
حفظ الله الجميع، وما من شك: أن القرن معجز بلفظه، معجز بمعانيه، معجز بأسلوبه، وتراكيبه، معجز في بيانه، وعلى كل المستويات اللغوية، والشرعية، والعلمية .. الخ، بكل تفصيلاتها وجزئياتها الدقيقة، وهذا الإعجاز مستوي في طوال سوره، وأقصرها-كلا وجزءا- وتحدى الخالق سبحانه بهذه المعجزة الكبرى من نزل بلسانهم، ومهما تطورت البشرية، واختلفت البيئات سيبقى معجزة متحدى بها إلى يوم الدين، وبها ستكون الأمة المحمدية، أكبر الأمم، ونبيها أكثر الأمم اتباعا، يوم يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
ـ[فهد بن محمد الغفيص]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 10:35 م]ـ
الألفاظ هي القوالب التي تُصب فيها المعاني،والمعنى السامي يُبتذل إذا صُب في لفظ مبتذل
فلابد من سمو المعنى واللفظ معاً. فلا غرو أن يكون هناك إعجاز لفظي في القرآن الكريم وخاصة أن اللغة العربية وما بها من ظاهرة الترادف تجعلك تقف أمام آية ما وتسأل نفسك لماذا هذا اللفظ دون ذلك رغم أنه يرادفه؟
لله درك
أوجزت، وأفحمت.
¥