ملتقي اهل اللغه (صفحة 3028)

إما أن يقال بأن عطف الشهوة على الطعام والشراب من باب: عطف العام على الخاص، فقدم الخاص: الطعام والشراب لأنها آكد الشهوات التي يمتنع الصائم عنها، ثم عطف عليها العام، فيكون ذكرها قد تكرر مرتين: مرة بالنص على أعيانها، ومرة ضمن عام يشملها، وفي ذلك من العناية بشأنها ما فيه، فإفرادها بالذكر يدل عليها: مطابقة، وإدراجها في عام يشملها يدل عليها: تضمنا، فاجتمع في حقها الدلالتان.

وإما أن يقال بأن الشهوة هنا قد أريد بها شهوة الفرج، فيكون الكلام من قبيل: التأسيس لا التوكيد، فأسس اللفظ المذكور معنى جديدا لم يرد في السياق، ويرجح ذلك ما اطرد من قول أهل العلم بأنه إذا دار الكلام بين التوكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أولى لأن فيه إنشاء معنى جديد، بخلاف التوكيد فهو تنبيه على معنى مذكور، والأصل في النصوص، كما تقدم، دلالتها على أكبر قدر من المعاني إثراء لذهن السامع.

الصِّيَامُ لِي: يمكن النظر إلى هذه الجملة من وجهين:

من وجه: التوكيد المستفاد من الحصر بتعريف الجزأين، إن قلنا بأن الخبر هو نفس الجار والمجرور فهو معرف بالإضافة، فيكون تقدير الكلام: الصوم لي وحدي لا لأحد غيري.

ومن وجه إفراد الصيام بالإضافة إلى الباري، عز وجل، مع أنه مفعول العبد لا الرب، فيكون في ذلك من التعظيم ما فيه، تماما كما قيل في: بيت الله، وناقة الله، فإضافة هذه الأعيان إلى الله، عز وجل، إضافة تشريف.

وَأَنَا أَجْزِي بِهِ: توكيد بالفاعل المستتر في: أجزي، فيكون قد ذكر مرتين بارزا كـ: مبتدأ، فالمبتدأ فاعل في المعنى، ومستترا في عامله، ومجيء العامل بصيغة المضارع يدل على تجدد الجزاء بتجدد الصيام، فليس أمرا ماضيا قد انتهى، وإنما هو أمر متجدد باستمرار، فكلما صمت وأطعت، وجدت جزاء ذلك عند الرب، جل وعلا، وفي هذا من استنهاض الهمم ما فيه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 04:54 م]ـ

أحسنتَ. ونحن بحاجةٍ إلى تعرّفِ مناحي البلاغةِ، وأوجه البيان في ما نقرأ، وأولى ذلك بالمعرفةِ كتابُ الله تعالَى، ثم سنةُ نبيِّه صلى الله عليه وسلم. ولا خيرَ في علمٍ لا يُنتفع به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015