ملتقي اهل اللغه (صفحة 2945)

ولعل كلام الإمام هذا هو الذي أوحى إلى السكاكي بأن يقول: "إن علم البيان شعبة من علم المعاني …الخ، على أن السكاكي لم يسلم من اعتراضات بهاء الدين السبكي المتوفى 773هـ فيقول: "ثم لا نسلم أن علم البيان يتوقف على معرفة علم المعاني؛ لجواز أن يعلم الإنسان حقيقة التشبيه، والكناية، والاستعارة وغير ذلك من علم البيان ولا يعلم تطبيق الكلام على مقتضى الحال، فليس علم المعاني جزءا من البيان ولا لازما له، وأن تطبيق الكلام على مقتضى الحال كالمادة، وهذه الطرق كالصورة، والمادة ليست جزءا للصورة .. ".

وكلام البهاء هذا يصور مدى الفصل بين العلمين عند المتأخرين، وهذا مسلك جرّ على البلاغة انفصالا بين مسائلها المتشابكة، وقضاياها المترابطة؛ فلا مندوحة لقبوله! إذ المطابقة واجبة في كل ألوان البلاغة وفنونها.

ومن المشهور عند أصحاب الاتجاه السكاكي في البلاغة أنك إذا نظرت إلى أسلوب من جهة وجود المطابقة أو عدمها فأنت تسلك طريق علم المعاني، ولو نظرت هذه النظرة إلى الألوان البيانية كنت صادرا في بحثك عن هذا العلم، وكذلك لو نظرت إلى المحسنات البديعية؛ فإن مردّ الحسن الثابت للبديع إلى ارتباط هذا الحسن باقتضاء المعنى له، واستدعاء المقام له؛ فحيث يقتضي المعنى يكون اللون الذي يناسبه؛ ومن ثم شاع بين علماء البلاغة أن المحسن البديعي إذا اقتضاه المقام صار من علم المعاني؛ لمراعاة المطابقة.

وإذن فالمطابقة تتحقق في الألوان البيانية، والأصباغ البديعية إذا اعتبرها الباحث في نظرته، ولا أعتقد أن باحثا ما لا يملك أن يتجاهل المطابقة؛ فإنه بدونها لن يصل إلى التعرف على بلاغة الأساليب.

وحسنا ذهب بعض النقاد المعاصرين إلى نقد من يقصر المطابقة على علم المعاني فقال: "وهنا يتبين الخطأ في قصر تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره على مسائل علم المعاني؛ فإن الحق أن ذلك شامل لفنون البلاغة جميعا .. "، ويقول: "والواقع أن دائرة المطابقة لمقتضى الحال أوسع من هذه الدائرة بكثير، ولا تقف عند تلك المباحث الثمانية المشهورة التي ذكروها في علم المعاني؛ فإن مجالات هذه المطابقة كثيرة .. ".

ولا شك أن هذا الاتجاه لتعميم المطابقة الشاملة في فنون البلاغة الثلاثة هو المنهج الأقوم الذي أرساه من قبل الأقدمون من علماء النقد والبلاغة، وما أحوج الدرس البلاغي المعاصر إليه؟!!

وبعد فإن مكان البيان من البلاغة يتوقف على مدى وفاء اللون البياني بالمقام الذي سيق له، وما يكتنف الصور البيانية من قيمة ذاتية تخلع على الكلام حسنا وجمالا، وتكسبه روعة وجلالا، وتشيع الضياء والرونق في كل نظم تحتويه، وتمنحه الصحة والقوة بكل ما تمثله من قيمة ذاتية، وتضمن له الحيوية المتجددة فلا يسقط على مر العصور ..

وعلى الله قصد السبيل.

بقلم الدكتور عبد الحميد العبيسي (رحمه الله)، أستاذ البلاغة والنقد في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة.

ـ[أم. ليلى]ــــــــ[28 - 03 - 2009, 02:50 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا أخي الفاضل على هذا البيان في تعريف علم البيان. ولقد حاولت أن أفهم مهية الموضوع لكن ماشاء الله الموضوع مركز جدا وأنا زادي قليل فصرت كمن يروم الثريا، لكن ربما تبسطوا لي بعض عناصر الموضوع بارك الله فيكم. فسؤالي هو: هناك النحوي وهناك صاحب علم البيان؟ هل المفروض أن يكون هناك تباين بينهما بمعنى ليس كل نحوي صاحب بيان؟ وهل العكس صحيح ليس كل صاحب بيان نحوي؟

ويبدو أن علم البيان وعلم المعاني متقاربان جدا فما هو الشيء الذي يفرق بينهما بصفة ربما جلية أكثر تجعل المبتدئ يفرق بينهما بطريقة أسهل؟

وجزاك الله خيرا وزادك من فضله.

ـ[عمر خطاب]ــــــــ[29 - 03 - 2009, 10:22 ص]ـ

علم البيان المقصود به هنا هو علم البلاغة بأقسامه الثلاثة (المعاني - البيان - البديع)، وعلم البلاغة تعريفه: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته

وبالنسبة للعلاقة بين النحو والبلاغة علاقة وطيدة جدا، فالبلاغي يعمل بعدما ينتهي النحوي من عمله، فالنحوي يهتم بالصحة والفساد في الجملة، وينتهي دوره عند هذا، ثم يبدأ البلاغي بعده في العمل فيأخذ هذه الجمل الصحيحة ويحللها ويصل فيها إلى المعاني المرادة

فكل بليغ نحوي، وليس كل نحوي بليغ

ـ[أم. ليلى]ــــــــ[29 - 03 - 2009, 01:49 م]ـ

جزاك الله خيرا أخي الكريم

هل هذا يعني أن كلمة البيان قد تأتي ويعنى بها أحيانا مطلق البيان بهذه المعاني الثلاثة وأحيانا البيان المطلق وهنا ماهو التعريف الذي نعطيه لعلم البيان بارك الله فيك؟

ـ[عمر خطاب]ــــــــ[29 - 03 - 2009, 03:25 م]ـ

تعريف علم البيان (بالمعنى الخاص بأنه علم داخل علوم البلاغة) هو: هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

ويشتمل على التشبيه والمجاز المرسل والاستعارة والكناية

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015