فقلت: المصنف أراد الأحكام الشرعية وهى تشمل التكليفية والوضعية، وقال بعضهم: الأحكام تسعة فزاد الرخصة والعزيمة، ولكن المصنف لم يتعرض لهما لأنهما مندرجتان فيما سبق:

فالرخصة [1] قد تكون من قسم الواجب مثل: أكل الميتة فى المخمصة [2]، وفد تكون من قسم المندوب مثل: قصر الصلاة الرباعية فى السفر، وقد تكون من قسم المباح: كالمسح على الخفين.

وأما العزيمة (وهى الحكم الذى شُرِعَ ابتداءًا) فتتنوع إلى أنواع الحكم التكليفى: من وجوب وندب وحظر وكراهة وإباحة، ولا تطلق عند المحققين إلا إذا قابلتها رخصة؛ فلهذا لم يتعرض لهما فى هذا الكتاب [3].

قال: فالأحكام على كل حال أكثر من سبعة وقد ذكرت أنت السبب والشرط والمانع فلماذا تركها المصنف.

قلت: لعله تركها تخفيفا على المبتدئ فإنه يمكنه أن يتصور حقيقة الواجب والمندوب إلى آخر الأحكام السبعة ولكن ربما شق عليه تصورُ ما تركه من السبب والشرط والمانع.

قال: ربما، ولكن هل يشق عليه ما ذكرتَ ويسهل عليه تصور القياس والاستصحاب والنص والظاهر والمؤول الخ

قلت: هذه أبواب يتكون من مجموعها أصول الفقه فلو تركها لترك هذا الفن جملة، وأى شئ يكتبه فى هذا الفن إذا ترك ما ذكرتَ! أما ما تركه من الأحكام فالظاهر أنه اقتصر على جملة من الأحكام بحيث إذا تصورها المبتدئ استطاع أن يتدرج إلى ما فوقها وسهلت عليه لأنها من جنس ما ذكره، أما لو ترك مباحث الألفاظ أو القياس أو الاستصحاب فكيف يترقى الطالب لهذا العلم فى هذه الأبواب؟ فلابد إذن من ذكر جملة صالحة من هذه الأبواب يتعرف بها الطالب على ما فى هذه الأبواب من حيث الجملة فيعرف أسماءها ومعناها وشيئا مما يخصها، فإذا فعل ذلك وأراد الترقى بعد ذلك تمكن من استكمال ما فاته من هذه الأبواب حتى يصل إلى دقائقها.

قال: فلم آثر هذه السبعة؟

قلت: آثرها لشهرتها.

قال: ربما.

قلت: ويمكن أيضا تأويل كلامه بأن مراده أن هذه السبعة من جملة الأحكام، لكن قال ابن قاسم: "ثم رأيت كلامه فى البرهان ظاهرا فى منافاة هذا التأويل دالا على إرادة الحصر فى هذه السبعة؛ لأنه قال ما نصه: (فإن قيل: فما الفقه؟ قلنا هو فى اصطلاح علماء الشريعة: العلم بأحكام التكاليف [4]) انتهى" [5].

قال: هل كلام إمام الحرمين يدل على إرادة الحصر فى هذه السبعة كما قال ابن قاسم العبادي؟

قلت: الله أعلم.

قال: لا يظهر لى ذلك.

قلت: ولِمَ؟

قال: لأنه لم يذكر فى (البرهان) إلا الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور.

قلت: إذا كان كلامُك صحيحا فمعناه أنه (أي إمام الحرمين) يرى أن الأحكام الوضعية ترجع إلى الأحكام التكليفية.

قال: نعم، أظن ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015