ملتقي اهل اللغه (صفحة 2533)

الاستعمال الفريد لبعض الأفعال في القرآن الكريم.

ـ[د. خديجة إيكر]ــــــــ[01 - 10 - 2011, 03:38 ص]ـ

وردت بعض الأفعال الماضية مرة واحدة فقط في القرآن الكريم. ومن خلال تتبعها ودراستها يمكن أن نعتبر هذه الظاهرة اللغوية القرآنية ذات صلة ببعض السنن الكونية وبعض السنن الاجتماعية والتاريخية. فالصيغة الفريدة التي وردت بها هذه الأفعال تدل كلها على الموقف الفريد الذي لا يتكرر، أو السنة التي لا تتخلف، وكلها هذه الآيات لا تخرج عن هذا الإطار. وبالتالي يمكن أن نصنف هذه الأفعال الماضية ذات الصيغة الفريدة إلى قسمين اثنين:

1. ما لَه علاقة بالسنن الكونية:

ونمثل له ببعض الآيات (وغيرُها كثير لا مجال لتعداده) منها قوله سبحانه وتعالى: ((والليل وما وسق)) الانشقاق / 17، فالليل سنة كونية إلهية تُظلِم على كل الكائنات، وظلمتُه تَسِقُ وتَضُم الجبال والأشجار والبحار والأرض. ومنها قوله سبحانه وتعالى: ((مرج البحرين يلتقيان)) الرحمن / 19، فالله سبحانه وتعالىأرسل البحرين: البحر المِلْح والبحر العَذْب بحيث يصب أحدهما في الآخر دون أن يغير أحدهما طعم الآخر بجواره. ومنها قوله سبحانه وتعالى: ((وبث فيها من كل دابة)) البقرة / 164، كناية عن خلقه سبحانه وتعالىالعَجيب المتكاثر لجميع أنواع الدواب على هذه الأرض.

2 ـــ ما لَه صلة بالسنن الاجتماعية والتاريخية:

ويندرج ضمن هذا آياتٌ عديدة، نكتفي بذكر بعضها كقوله سبحانه وتعالى: ((فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)) الدخان / 29، حيث وردت الآية في معرض الحديث عن هلاك فرعون وجنوده غرقا، بعد أن شق الله سبحانه وتعالىلبحر لموسى ومن معه من المؤمنين، فبين الله سبحانه وتعالى وقيعتهم المأساوية حيث أغرقوا جميعا فتركوا ديارهم، وما تزخر به من أسباب الرفاهية والسعادة، ليرثها من كانوا يستضعفونهم.

واستخفافا بهم يبين الله تعالى أنه بعد أن أنزل بهم عقابه، وحقق فيهم سنته، فإن أحدا من العالمين لم يعبأ بمصيرهم، فجاء قوله سبحانه وتعالىمَسوقا لتحقيرهم: (فما بكت عليهم السماء والأرض). وجاءت صيغته فريدة في القرآن الكريم للدلالة على أن سنة الله سبحانه وتعالى في الخلق لا تتبدل ولا تتخلف.

فالتاريخ ليس أحداثا تتعاقب زمنيا، بقدر ما هو أسباب تترتب عنها نتائج، ومن ثم فإن التاريخ تحكُمُه سنن، ولا يفقه التاريخ من لم يفقه السنن التاريخية. فترشيدُ المسيرة البشرية، والتقدمُ خطوة إلى الأمام كمًّا وكيفًا، لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستفادة من تجارب الأمم وتعلم الدروس وأخذ العبر. فالعاقل من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ الناس به. وذلك هو الركن المتين الذي تقوم عليه فلسفة التاريخ، وعلى أساسه يتم تفسير التاريخ. وكقوله سبحانه وتعالى: ((فوسطن به جمعا)) العاديات / 5، وهذه أيضا صيغة وحيدة وردَ بها هذا الفعل في القرآن الكريم، وإذا ربطنا ذلك بالسياق القرآني الذي وردت فيه الآية ـــ إن أُريد بالعاديات خيل الغزاة وليس رواحل الحجيج وهو تفسير علي بن أبي طالب رضي الله عنه لها ــــ يتبين لنا أن سنة مدافَعة الباطل بالحق سنة ثابتة، وأن النصر للحق وأصحابه في آخر المطاف، كما حدث في هذه الغزوة ـــ غزوة بدر ــ ومن ثم لا بد من الإصرار على مواجهة الباطل والصمود في وجه الطغاة مهما كانت الأحوال والظروف، وعدم الاستسلام أو التفريط في الحق.

وكقوله سبحانه وتعالى أيضا: ((ومن أهل المدينة مردوا على النفاق)) التوبة / 101، والمعنى السياقي لـ (مردوا): " أقاموا عليه ولم يتوبوا " كما قال البغوي في معالم التنزيل , ج 2/ 323. وقد جاء فعل (مرد) في القرآن الكريم بهذه الصيغة مرة واحدة كذلك في القرآن الكريم، للدلالة على أن النفاق خاصية متأصلة في هذا الصنف من البشر الذي يُبدي خلاف ما يُبْطنه. ومن ثم فإنه تحذير للمؤمنين بعدم الثقة في المنافقين وعدم موالاتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015