ـ[عبد الحميد محمد العمري]ــــــــ[14 - 01 - 2014, 12:32 م]ـ
البسملة2
السلام1
نظرت في قوله تعالى ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35))) [البقرة]، ثم في قوله سبحانه ((وإذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58))) [البقرة].
فتساءلتُ: لم قال تعالى: ((كُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا))، ثم أخر الحديث عن الرغد، فقال ((فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً))؟؟
فأداني علمي القاصر، بالنظر بعدَ النظر إلى شيء من الفهم، عسى يكونُ مصيبا.
- حين ذكر سبحانه الجنة، كان حديثه عن المطلق الذي لا حد له، وعن المباح الذي لا يمنع فيه شيء، ولا يخالط الطيبَ فيه شيء آخر من غير جنسه. وإنما منع الله آدم وزوجه من الاقتراب من الشجرة، لا لأنها خارجة عن الطيبات؛ فإن الجنة لا يكون فيها إلا الطيب النافع. بل من جهة الاختبار/ هل يلتزمان بالأمر أم لا. وقد ذكر المفسرون أنها شجرة التفاح أو نحو هذا. فإنهما لما كانا في الجنة، قال لهما ((كُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا)) فقدم الرغد على المكان، فأفاد أن كل ثمر في هذا المكان داخل في الطيب النافع الذي لا يخشى على الآكل منه شيء. فالمعنى أينما ذهبتما في الجنة، فستجدان ثمرا طيبا فكلا منه كيفما شئتما. ولكن لا تقربا من هذه الشجرة. فهذا أليق بوصف الجنة، وقد وصفها الله عز وجل في مواضع متفرقة من كتابه بأوصاف كثيرة من هذا القبيل، فقال عن خمرها ((يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ (19))) [الواقعة]. فحتى الخمر التي في الجنة ليس فيه من أوصاف خمر الدنيا ما يذهب العقل التي هي علة التحريم. فكل ما في الجنة لا بدَّ أن يكونَ حلالا طيبا. فلذلك سبق الرغد ليثبت ذلك صفة للجنة.
- فلما كان الحديث عن قرية على الأرض، كان ملازما لذلك أن يكون طعامها وشرابها معرضا لأن يكون حلالا وحراما، وأهلها معرضين لأن يرتكبوا المحرم ما داموا غير منزهين عن ذلك. فمن أجل ذلك قال سبحانه ((فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً))، فدلَّ ذلك على أن القرية مفتوحة لهم، يأكلون منها حيث شاءوا، ولكن أمرهم أن يأكلوا طيبا لا غير. أي كلوا كلَّ طيبٍ حيث شئتم، ولا تتجاوزوه إلى غيره مما حرم عليكم. فمن أجل ذلك أخر الحديث عن الرغد ليميزه عن ما سواه، ويفتح لهم باب القرية على كل طعام حلال من غير أن يتعدوا ذلك إلى الحرام.
والله أعلى وأعلم.