ملتقي اهل اللغه (صفحة 2346)

بين عصفور ضحا وعصفور الحكيم

ـ[فريد البيدق]ــــــــ[11 - 02 - 2014, 02:12 م]ـ

بين عصفور ضحا 2013م وعصفور الحكيم 1938م .. أوروبا المغزوة وأوروبا الغازية

(1)

ينبغي أن يعرض ما استقر من مفاهيم النقد على التحليل حتى نتبين دوام صلاحيته من انقطاعها.

كيف؟

يقال: "العمل الأدبي لا يعبر عن رأي الكاتب، بل يعبر عن رأي الشخصية الأدبية ورؤيتها التي قد يختلف معها الأديب".

يقال ذلك ويذاع ويشتهر حتى صار مسلمة أدبية وبديهة نقدية، لكن الواقع الإبداعي الأدبي بصوره المختلفة ينقضه ويهدمه.

كيف؟

إن الأديب إنسان له فكر يؤمن به ويذيعه سرا وجهرا ومباشرة وغير مباشرة، وهو لن يترك فكره من أجل عمله الأدبي الإبداعي لا سيما وهو السيد في إنتاج عمله الأدبي، بل سيعمد إلى إذاعته على وفق براعته الأدبية؛ فتجد الشخصيات التي تتبنى فكره ذات مساحة كبيرة مؤثرة واضحة مستحوذة على غيرها من الشخصيات ذات الفكر المتنحي لهذا الأديب فلا تترك القارئ حتى تُحدث فيه ما يريد الكاتب، وتجد الشخصيات التي تمثل المتنحي الفكري للأديب مستحوذ عليها من قبل الشخصيات الأولى ولا تترك التأثير الملائم في المتلقي إلا إن كان واعيا بأصول العمل الأدبي وعالما باتجاه الأديب.

واقرءوا إن شئتم "علاء الأسواني".

لماذا "علاء الأسواني"؟

لأن له ظهورا إعلاميا يجعل الكثيرين يعرفون اتجاهه.

اقرءوه وستجدون كذب المقولة السابقة "العمل الأدبي لا يعبر عن رأي الكاتب، بل يعبر عن رأي الشخصية الأدبية ورؤيتها التي قد يختلف معها الأديب"- التي آن لها أن تذهب إلى سلة الأكاذيب والمغالطات الأدبية والفكرية لا سيما في روايتيه "شيكاجو" و"نادي السيارات"!

(2)

وإن لم تتهيأ لكم فرصة قراءة "علاء الأسواني" في أعماله أو عمليه فهيا معا في هذه الجولة مع ذلك الموضوع الأدبي الذي يتخذ العصفور عنوانا له في عملين أدبيين روائيين هما "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم 1938م و"عصفوران بين الشرق والغرب" لعبد الحميد ضحا 2013م.

ماذا سنجد فيهما من هذه القضية؟

سنجد الاختلاف بينهما مرده فكر الروائيين، وسنجد الشخصيات المطابقة هي المؤثرة الظاهرة وما عداها فلا.

وكيف سنعرف اتجاه الروائيين؟

من كل شيء بدءا من الغلاف ثم الإهداء، وانتهاء مع آخر كلمة لهما في روايتيهما.

كيف؟

(3)

في رواية "عصفور من الشرق" نجد الغلاف يجعل مدموازيل سوزي ديبون الفرنسية التي تمثل أوروبا كبيرة الحجم ومستحوذة على محسن العصفور الشرقي الذي لا يرى نفسه لائقا بها.

ثم نمضي إلى الإهداء فنجد "إلى حاميتي الطاهرة السيدة زينب"، ويجعلنا ذلك نتذكر مقالات توفيق الحكيم في الثمانينيات في الأهرام المعنونة بـ"حوار مع الله" التي أثارت العلماء وعلى رأسهم الشعراوي. وإن من يقرأ "عصفور من الشرق" الصادرة 1938م لا يتعجب من تلك النهاية التي حملتها هذه المقالات الصادرة 1983م؛ ففكر توفيق الحكيم واحد طوال عمره.

كيف؟

ستجد عصفور توفيق الحكيم ذا أخطاء عقائدية وسلوكية تتلاءم مع أخطاء المؤلف الفكرية والدينية في هذه المقالات وغيرها؛ لأنه يتبنى مفهوما عن الإسلام غير صحيح يجعله يحتمي بالسيدة زينب المتوفاة منذ قرون، ولا يجد غضاضة في ذلك؛ لذلك فلن تفاجأ عندما يدخل ذلك العصفور الكنيسة في مراسم دفن أحد النصارى زوج بنت مدام شارل فتجده يقول عن الكنيسة موازنا بينها وبين المسجد في ذهنه ونفسه في الفصل الأول ص16: "وخيل إليه أنه باجتيازه العتبة قد ترك الأرض وارتقى إلى جو آخر له عبيره وله نوره، هنا أيضا عين الخشوع وعين الشعور الذي كان يهزه كلما دخل في القاهرة مسجد السيدة زينب، هنا أيضا عين السكون وعين الظلام في الأركان وعين النور الضئيل الهائم كالأرواح في جو المكان. إن بيت الله هو بيت الله في كل مكان وكل زمان".

هكذا يرى توفيق الحكيم الكنيسة كالمسجد؛ فكلاهما عنده بيت لله، وقد أكد ذلك المعنى في مشهد نضح الميت بماء مقدس من قمقم فضي ص17 - 18 في الفصل ذاته.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015