ملتقي اهل اللغه (صفحة 12356)

نيّاحة على طلل

ـ[شاعر الصحراء]ــــــــ[31 - 12 - 2009, 12:51 م]ـ

نيّاحة على طلل

تهت في مفازة مفردات الضّياع، دون راحلة أو متاع. ألهث من سراب لسراب باحثا عن سبيل النّجاة بين كلمات صواف، فلم أجد غير معان عجاف، تنعق في

وجهي كأسراب الغربان الجائعة… تنتظر محلّقة نهايتي، لتنقضّ عليّ بمناقيرها

القاطعة.

وبعد ركضي الطويل خلف المصطلحات الزائفة، لاح لي نور مدينة تبهر

النّاظر وتسرّ الخاطر. فدخلتها على حين غفلة من أهلها، فراعني ما رأيت فيها من الجور

والفجور ... وألقي القبض عليّ بتهمة الإنتماء الى عالم النفوس المقلدة الخانعة، التي

لا يحقّ لها العيش في عالم النفوس المبدعة الصّانعة.

وعُرضت للبيع في سوق النّخاسة، فتجمّع الناس حولي من جند وساسة. وفجأة نادى المنادي أن افسحوا الطريق لكبار تجار الرقيق. فوصل موكبان لتاجرين ضخمين، لكل

منهما بطن كبيرة، تتّسع لاحتواء عرب السّاحل والجزيرة ..

وتقدّم نحوي سمسار أقرع يتكلم ولا يسمع، وسألني أنفطيٌّ أم حنطيّ؟

فقلت لا هذا ولا ذاك، أنا شاعر رقيق المشاعر ... فالتفت إليهما وقد لويا رأسيهما إعراضا،

وجعلا أصبعيهما في أذنيهما امتعاضا .. فقال لفتيته خذوه الى سوق التّرف علّنا نبيعه بثمن

بخس لتاجر تحف .. وقبل أن ينصرف سألته من يكون فقال:

أنا كبير سماسرة يهود مختصّ في تجارة النّفط والبارود، وسفك الدم العربي خاصّة ما

حمل منه جينات العصر الذّهبي.

وتمكنت وسط الزحام من الإفلات من عواقب الويلات. وخرجت خائفا أترقّب، واردا ماء مدين لأشرب. فإذا امرأة عجوز جلست تنوح على رمس تليد، قد بليت عظام ساكنه،

فاقتربت منها أسألها شربة ماء. فقطعت النّوح وأذنت لسرّها الدّفين بالبوح وقالت:

وما جدوى الماء لجسد بال!!

فقلت: لا أقصد ساكن الرّمس، إنّما طلبت الماء لنفسي.

قالت: وهل اعتقدت أنّي مجنونة ... أنا هنا للنّواح عليك لا عليه، لأنّه لو كان على قيد الحياة ما تنعّم في أرضك العداة، وقدّموك للبيع كأيّ غرض من أغراض الرّيع.

فأصابتني حيرة ممّا أخبرتني به، وانطلقت مخيّلتي تبحث في سالف أجدادي، فلم أذكر أنّا دفنّا جدّا بعيدا عنّا.

فقلت: فمن أنت ومن صاحب هذا اللحد الذي يعرفني ولا أعرفه يا أمّاه؟.

قالت: هذا أفضل أبنائي من بين ما حملت أحشائي، إنه الإباء يا شاعر الصحراء فهل أخبرك من أكون؟

فقبّلت يدها وقلت لها: كلا يا أمّاه وأرجو منك الصّفح وعدم الملامة، فمن فقد الإباء أنكر الكرامة.

http://mohtemmar.maktoobblog.com

طور بواسطة نورين ميديا © 2015